Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

الموقع غير الرسمي لثانوية عبد الرحمان زكي التأهيلية

30 août 2008

المراهقة: Adolescenceعرض حول موضوع

Cliquez ici : ________

Publicité
Publicité
18 juin 2008

رواية اللص والكلاب

العبث الوجودي في رواية ( اللص والكلاب) لنجيب محفوظ

                                           تمهيد 

يعتبر نجيب محفوظ من أهم الروائيين العرب الذين أرسوا دعائم الرواية العربية تجنيسا وتجريبا وتأصيلا إلى جانب محمد حسين هيكل وسهيل إدريس ويحيى حقي ويوسف إدريس وعبد الحليم عبد الله وعبد الرحمن الشرقاوي والطيب صالح وجمال الغيطاني وحيدر حيدر وحنامينه وإدوار الخراط وعبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم وطاهر وطار ومحمود المسعدي وواسيني الأعرج وجبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي وغسان كنفاني وبنسالم حميش ومحمد برادة ومحمد شكري...

وقد تميز نجيب محفوظ عن هؤلاء الروائيين بتعدد أشكاله السردية وتعدد المواضيع والقضايا التي تناولها في إطار رؤى فلسفية مختلفة في تصوير مصر و تشخيص فضاء القاهرة عبر امتداد تاريخ السلالات المالكة للسلطة والحكومات المتعاقبة. وبذلك، يكون نجيب محفوظ الناطق المعبر عن تاريخ مصر، كما كان عبد الكريم غلاب ناطق التاريخ المغربي، ونبيل سليمان ناطق التاريخ السوري، وطاهر وطار ناطق التاريخ الجزائري، وغسان كنفاني ناطق التاريخ الفلسطيني...

ومن أهم الروايات التي دبجها نجيب محفوظ رواية" اللص والكلاب" التي اتخذت طابعا رمزيا وذهنيا على مستوى المقصدية المرجعية والرسالة الفنية.

إذاً، ماهي العناصر المناصية والنصية التي تتكئ عليها هذه الرواية؟ وماهي بنياتها القصصية والسردية التي تزخر بها؟ وماهي الأبعاد المرجعية التي تتضمنها الرواية؟ وماهي طبيعة القراءات التي ظفرت بها الرواية على مستوى التقبل والتلقي؟

1- مدخل إلى الرواية العربية:

عرفت الرواية العربية مجموعة من المحطات التاريخية والفنية لايمكن تجاهلها عند دراسة رواية عربية ما. ويمكن حصر هذه المحطات والمراحل فيما يلي:

أ‌- مرحلة المحكي العربي القديم:

تعتبر الأشكال السردية الحكائية القديمة ( ألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة بن شداد، وسيرة سيف بن ذي يزن، وسيرة الظاهر بيبرس، ورسالة حي بن يقظان،والمنقذ من الضلال للغزالي، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري...) أنماطا روائية تراثية بمقياسنا العربي الأصيل، لا بمفاهيم الرواية الأوربية الحديثة التي أوقعتنا في التقليد والانبهار والتلفيقية والتجريب رغبة في الحداثة. وإن كان ذلك قد تم على حساب مقوم الأصالة والتراث والذات والهوية والفهم الحقيقي للشخصية العربية وتمتين التواصل الحضاري بين الشرق والغرب وربط الماضي بالحاضر لتحقيق قفزة حضارية صحيحة أساسها: التوازن بين الماديات والأخلاقيات الإسلامية.

ب‌- مرحلة الجهود الروائية الأولى:

تعد هذه المرحلة امتدادا للمرحلة التراثية الأولى كما نجد ذلك في أعمال كل من حافظ إبراهيم " ليالي سطيح"، والمويلحي" عيسى بن هشام"، ورفاعة الطهطاوي" تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، ومحمد بن المؤقت المراكشي في" الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية". وما هذه الجهود في الحقيقة إلا امتداد لألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وسيف بن ذي يزن ومقامات بديع الزمان الهمذاني ومقامات الحريري وكتابات كل من ابن المقفع" كليلة ودمنة"، وابن بطوطة" تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".

وتؤكد هذه الجهود الروائية التواصل الحضاري والفني وربط الماضي بالحاضر. لكن صدمة النهضة والحداثة والانبهار بالحضارة الغربية والتهافت على الجديد الأدبي ( لا التقني والعلمي)، وتقليد رجل الغرب في طقوسه وشكلياته ( لا في عقليته العملية واختراعه العلمي والتكنولوجي)، سبب في القطيعة الإبداعية والانفصام الحضاري وانفصال الحاضر عن الماضي على مستوى التخييل الحكائي والإبداع السردي.

ج- مرحلة التجنيس الفني للرواية العربية

تم تجنيس الرواية العربية منذ أوائل القرن العشرين مع رواية" زينب" لمحمد حسين هيكل، و" الأجنحة المتكسرة" لجبران خليل جبران على غرار القواعد والأنماط الشكلية الأوربية، أو ما يسمى بالرواية الكلاسيكية في تياراتها التاريخية والرومانسية والواقعية التي تذكرنا بروايات فلوبير وإميل زولا وبلزاك وستندال وتولوستوي وماكسيم گوركي ودويستفسكي.

ويلاحظ على هذه المرحلة تقليد الرواية العربية لنظيرتها الأوربية في مضامينها وأشكالها الفنية والجمالية وتقنياتها السردية؛ مما أوقع الرواية العربية في التقليد والاقتداء الأعمى والتجريب والاستهلاك والانقطاع عن التراث الروائي والعزوف عن تطويره امتدادا وتواصلا وإبداعا إن شكلا وإن مضمونا.

د- مرحلة الرواية العربية الجديدة:

استهدف أصحاب الرواية العربية الجديدة أو الطليعية إما التحديث على غرار الرواية الفرنسية الجديدة التي من أقطابها: آلان روب گرييه وكلود سيمون وريكادو وميشيل بوتور....، وإما السير على خطى رواية تيار الوعي أو ما يسمى بالرواية النفسية أو الرواية المنولوجية كما عند مارسيل بروست أو ڤرجينيا وولف وإرنست همينگواي ودون باسوس وكافكا وجيمس جويس.

هـــ- مرحلة التأصيل الروائي:

ظهرت مرحلة التأصيل بعد كساد التجريب الروائي الذي تحول إلى مجموعة من التمارين السردية المملة البعيدة عن هويتنا وحضارتنا الأصيلة، مما جعل بعض الروائيين يفكرون في التخييل التراثي والتأصيل والبحث عن شكل روائي عربي، فعاد الروائيون العرب إلى التراث قصد استلهامه وتحويله محاكاة وتحريفا وتخييلا وحوارا، وإعادة بنائه في أشكال تناصية وأنماط تخييلية تعزف على إيقاع التراث و أساليب السرد العربي القديم كما نلفي ذلك عند نجيب محفوظ وجمال الغيطاني ومحمود المسعدي وبنسالم حميش ورضوى عاشور وواسيني الأعرج....

تلكم –إذاً- أهم المراحل التي عرفتها الرواية العربية ضمن مسارها التاريخي والإبداعي والفني...

2- عتبات النص الموازي:

أ‌- عتبة المؤلف:

ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا في حي الجمالية بالقاهرة عام 1911م، ونشأ في أسرة متوسطة الحال. فتلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة الحسنية، ثم الثانوي بمدرسة فؤاد الأول إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا، وتخرج بعد ذلك من كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة.

وقد شرع في الكتابة والإبداع منذ المرحلة الثانوية، ونشر عام 1934م أول نص قصصي له حمل عنوان" ثمن الضعف"، وانخرط بعد ذلك في سلك الوظيفة العمومية بإدارة جامعة فؤاد الأول، فوزارة الثقافة ليعين عضوا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ثم مستشارا لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة...

وأحيل نجيب محفوظ على المعاش عام 1971م، ومن يومها وهو يواصل الإبداع والكتابة الروائية والقصصية والمسرحية إلى أن حاز على جائزة نوبل في الآداب عام

1988 م

.

ولقد اعتدى عليه بعض المتطرفين من أجل إسكاته نهائيا، في حين صودرت روايته" أولاد حارتنا" من الساحة الثقافية المصرية بصفة خاصة والساحة الثقافية العربية بصفة عامة.

هذا، ولقد عايش نجيب محفوظ جميع ماشاهدته مصر في تاريخها الحديث من هزات مست مختلف مكوناتها ابتداء بالثورة العرابية سنة1882م، وثورة سعد زغلول سنة 1919م، وما عاشته من أزمات اقتصادية خاصة أزمة مابين 1930و1934م ، وما رافق الحرب العالمية الأولى والثانية من استبدادات إقطاعية واستعمارية وأزمات سياسية وفكرية واجتماعية، عمل نجيب محفوظ على تجسيد أثرها على المجتمع العربي، فكانت قصصه رحلة عبر الأزمات المادية والروحية.

وتأثر نجيب محفوظ إلى جانب انجذابه إلى المحيط الذاتي والاجتماعي والعصري بمؤثرات التراث العربي والغربي حيث تأثر قديما بالتأمل الفلسفي عند أبي العلاء وبالروح الشعرية التأثرية عند ابن الرومي. فبدأ تجاربه الأولى بنظم القصائد حتى عد نفسه رائد المدرسة الحديثة في الشعر، وحديثا تأثر بالحس الاجتماعي الرهيف عند المنفلوطي، والعلم والاشتراكية عند سلامة موسى، كما تأثر في الجامعة بالدراسات الفلسفية التي وجهت تفكيره إلى القضايا الفكرية،كما تأثر بمختلف الاتجاهات الروائية الغربية كالاتجاه التاريخي والواقعي والنفسي والعبثي والطبيعي. فبرز أثرها في تنوع الأشكال الروائية عنده بين التاريخية والاجتماعية والفلسفية.

ب‌- عتبـــة التأليف:

نشر نجيب محفوظ أول نص قصصي له سنة 1934م بعنوان" ثمن الضعف"، وكتب سبعا وثلاثين رواية وهي على النحو التالي:

1- مصر القديمة، الطبعة الأولى، سنة1932 م؛

2- عبث الأقدار، الطبعة الأولى، سنة 1939م؛

3- رادوبيس، الطبعة الأولى ، سنة1943م؛

4- كفاح طيبة، الطبعة الأولى، سنة 1944م؛

5- القاهرة الجديدة، الطبعة الأولى، سنة1945م؛

6- خان الخليلي، الطبعة الأولى، سنة 1946م؛

7- زقاق المدق، الطبعة الأولى، سنة1947 م؛

8- السراب، الطبعة الأولى، سنة 1948م؛

9- بداية ونهاية، الطبعة الأولى، سنة 1949م؛

10- بين القصرين، الطبعة الأولى، سنة 1956م،

11- قصر الشوق، الطبعة الأولى، سنة 1957م،

12- السكرية ، الطبعة الأولى، سنة 1957م؛

13- اللص والكلاب، الطبعة الأولى، سنة 1961م؛

14- السمان والخريف، الطبعة الأولى، سنة 1962م؛

15- الطريق، الطبعة الأولى، سنة 1964م؛

16- الشحاذ، الطبعة الأولى، سنة 1965م؛

17- ثرثرة فوق النيل، الطبعة الأولى، سنة 1966م؛

18- ميرامار، الطبعة الأولى، سنة 1967م؛

19- المرايا، الطبعة الأولى، سنة 1972م؛

20- الحب تحت المطر، الطبعة الأولى، سنة 1973م؛

21- الكرنك، الطبعة الأولى، سنة 1974م؛

22- حكايات حارتنا، الطبعة الأولى ،سنة 1975م؛

23- قلب الليل، الطبعة الأولى ، سنة 1975م؛

24- حضرة المحترم، الطبعة الأولى، سنة 1975م؛

25- ملحمة الحرافيش، الطبعة الأولى، سنة 1977م؛

26- عصر الحب، الطبعة الأولى، سنة 1980م؛

27- أفراح القبة، الطبعة الأولى، سنة 1981م؛

28- ليالي ألف ليلة، الطبعة الأولى، سنة 1982؛

29- الباقي من الزمن ساعة، الطبعة الأولى، سنة 1982م؛

30- رحلة ابن فطومة، الطبعة الأولى ، سنة 1983؛

31- أمام العرش، الطبعة الأولى، سنة 1983م.

32- العائش في الحقيقة، الطبعة الأولى، سنة 1985م؛

33- يوم مقتل الزعيم، الطبعة الأولى، سنة 1985م؛

34- حديث الصباح والمساء، الطبعة الأولى، سنة 1987م؛

35- قشتمر، الطبعة الأولى ، سنة 1988م؛

وقد كتب نجيب محفوظ كذلك (12) مجموعة قصصية و(7) مسرحيات. فمن مجموعاته القصصية: همس الجنون(1938)، ودنيا الله(1962)، وبيت سيء السمعة(1965)، وخمارة القط السود( 1969)،وحكاية بلا بداية ولانهاية(1971)، وشهر العسل(1971)، والجريمة (1973)، والحب فوق هضبة الهرم(1979)، والشيطان يعظ(1979)، ورأيت فيما يرى النائم(1982)، والتنظيم السري(1984)، وصبح الورد (1987)، والفجر الكاذب(1988).

ومن نصوصه المسرحية: تحت المظلة(1969)، ويحيي ويميت، ومشروع للمناقشة، والتركة، والنجاة، والمهمة.

واستدراكا على ماسبق، هناك من يقول: إن أول نص روائي لنجيب محفوظ ظهر سنة 1939م، وفي هذه السنة بالذات صدرت رواية "عبث الأقدار". وهناك من يؤرخ لها بسنة 1938م، وهناك أيضا من يشير إلى " مصر القديمة " التي ظهرت سنة 1932م من تأليف جيمس بيكي، ومن ثم، فهي ترجمة عن اللغة الإنجليزية.

ج- عتبة التجنيس:

تتحدد روايات نجيب محفوظ في مجموعة من المراحل الفنية والجمالية يمكن إجمالها في:

• المرحلة التاريخية:(1930-

1938 م

):

كان نجيب محفوظ في هذه المرحلة يعبر عما يعانيه المجتمع العربي من استغلال في ظل الحكم العثماني والأنظمة الفردية الطاغية، ومترجما لشعور المجتمع المصري الاجتماعي والوطني الثائر.

• المرحلة الاجتماعية( 1939-1952م):

تصبح للمأساة نكهة اقتصادية وتربوية، ويتحول نجيب محفوظ من مصر القديمة إلى مصر الحديثة بهمومها الحاضرة حيث يلخص محور أدبه في هذه المرحلة في هذه القولة المشهورة:" إن ظروف الفقر تفسد الأخلاق".

• المرحلة الفلسفية(1959-1975م):

يصبح وعي الإنسان في روايات هذه المرحلة الفلسفية مصدر عذابه وشقائه، عذاب المعرفة والاطمئنان والانتماء.

• المرحلة التراثية : (1977 - 1983م):

يستلهم نجيب محفوظ في هذه المرحلة الموروث الجمالي والسرد العربي القديم وفضاءاته الفانطاستيكية وأجوائه التاريخية وتقنياته الفنية والتعبيرية ، ويقول جورج طرابيشي:"... وأعمال نجيب محفوظ ينطبق عليها بشكل خاص، قانون التطور المتفاوت والمركب، فقد بدأ بالرواية التاريخية في "كفاح طيبة" و"رادوبيس" وغيرها، وانتقل إلى الرواية الواقعية متوجا ذلك بالثلاثية ، ثم بدأ انطلاقا من "اللص والكلاب" يطور أشكال أخرى وصولا إلى توظيف التراث في الرواية. وهو سباق إلى هذا بخلاف ما يزعم... إذ جميع ما حققته الرواية العربية خلال قرون استطاع روائي عربي أن يصل إليه خلال سنوات من حياته الخاصة..."

ويمكن تدقيق هذه المراحل بهذه الطريقة التوضيحية:

• الرواية التاريخية:

1- عبث الأقدار

2- رادوبيس

3- كفاح طيبة.

• الرواية الواقعية الاجتماعية:

1- القاهرة الجديدة

2- خان الخليلي

3- زقاق المدق

4- السراب

5- بداية ونهاية

6- الثلاثية ( بين القصرين، قصر الشوق، السكرية).

• الرواية الفلسفية:

1- أولاد حارتنا

2- اللص والكلاب

3- السمان والخريف

4- الطريق

5- الشحاذ

6- ثرثرة فوق النيل.

• الرواية التراثية:

1- ملحمة الحرافيش

2- ليالي ألف ليلة

3- رحلة ابن فطومة

4- قشتمر.

ومن هنا، نفهم بأن رواية اللص والكلاب رواية فلسفية وجودية تتغنى بالعبث والملل والسأم الوجودي، وتعبر عن الفوضى في الواقع ، والتسيب في المجتمع ، وانحطاط الإنسان ، وتردي القيم الأصيلة في واقع المسخ الغرائبي والامتساخ الفانطاستيكي.

د- بنية العنوان:

من يتأمل عنوان الرواية ( اللص والكلاب)، فإنه سيجده عبارة عن جملة اسمية بسيطة مركبة من المبتدإ ( اللص)،والخبر محذوف وهو النص بأكمله، وجملة العطف تتكون من حرف عطف والمعطوف عليه. وتتكون البنية العنوانية من كلمتين بينهما رابط واصل( عطفي). وينبني العنوان على الاختصار والاختزال والحذف الدلالي.

ويحمل العنوان على الرغم من حرفيته بعدا رمزيا فانطاستيكيا قائما على المسخ والامتساخ المشوه، إذ يشبه الكاتب عليش سدرة ونبوية ورؤوف علوان بالكلاب الماكرة واللصوص الخادعة الزائفة، ويوضح هذا الطرح ماكتبه نجيب محفوظ في المقاطع الأخيرة من الرواية:" وانهال الرصاص حوله فخرق أزيزه أذنيه، وتطاير نثار القبور. وأطلق الرصاص مرة أخرى وقد ذهل عن كل شيء فانصب الرصاص كالمطر. وفي جنون صرخ:

- ياكلاب!

- وواصل إطلاق النار في جميع الجهات."

ويعني هذا أن الرواية تنتقد أصحاب الشعارات الزائفة كرؤوف علوان ، وأصدقائه الماكرين كالمعلم بياضة وعليش، وزوجته الخائنة كنبوية. ويدل الامتساخ الكاريكاتوري في الرواية على انعدام الإنسانية الحقيقية وتحول الإنسان إلى حيوان خادع لايحسن سوى الخيانة والكيد والمكر مصداقا لقولة هوبز: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان".

ويتسم العنوان بهيمنة المكون الفاعلي الذي يحضر عند نجيب محفوظ في الكثير من رواياته ومجموعاته القصصية مثل: أولاد حارتنا، وحضرة المحترم، والشحاذ، واللص والكلاب....

هــــ- الوصف الطيبوغرافي:

إن الرواية التي نشتغل عليها صدرت في طبعتها الأولى سنة1961م إبان الثورة الناصرية الاشتراكية ، عهد جمال عبد الناصر الذي أمم قناة السويس وقاوم العدوان الثلاثي وشيد السد العالي. وطبعت الرواية في حجم متوسط مقاسه ( 19.5سم/ 13.5 )، أي إن هذه الرواية مستطيلة الشكل تتداخل فيها الأبعاد الثلاثة( الطول والعرض والحجم). أما عدد صفحاتها، إذا اعتمدنا الطباعة التجارية الصادرة عن مطبعة مكتبة مصر ( الفجالة) بالقاهرة، فهي 143 صفحة. وتخلو الرواية من الفصول والنجيمات البصرية (***) التي نجدها مثلا في رواية " بداية ونهاية".

و- الغلاف الخارجي:

يحتوي الغلاف الخارجي الأمامي للرواية على بوسترPoster ملون بألوان مختلفة تتداخل فيها الألوان الباردة كاللون الأزرق واللون الأخضر، والألوان الساخنة كاللون الأحمر واللون البرتقالي ، كما يتقاطع فيه البياض مع السواد. وتعبر هذه الألوان المتناقضة عن جدلية الحياة والموت، والحب والانتقام، والفرح والحزن، والشقاء والسعادة.

هذا، ويحيل المسدس على الرواية البوليسية أو رواية الجريمة، كما تحيل المرأة على الحب والجنس والإباحية وتردي القيم الأخلاقية وتفسخ المجتمع وانحطاط الإنسان.

وأظن أن رسام هذه اللوحة التشكيلية هو جمال قطب الذي صور الكثير من اللوحات الواقعية التي تصدرت بها أغلفة روايات نجيب محفوظ الروائية والقصصية.

إذاً، فاللوحة ذات تشكيل واقعي بعيد عن التجريد وأشكاله، فهو يشير إلى أحداث القصة أو على الأقل إلى مشهد مجسد من هذه الأحداث. وعادة ما يختار الرسام موقفا أساسيا في مجرى القصة يتميز بالتأزيم الدرامي للحدث. ولا يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص والتشكيل بسبب دلالته المباشرة على مضمون الرواية. وببدو أن حضور هذه الرسوم الواقعية تقوم بوظيفة إذكاء خيال القارئ ودغدغة عواطفه، لكي يتمثل بعض وقائع القصة وكأنها تجري أمامه.

ويمكن اعتبار العناوين وأسماء المؤلفين وكل الإشارات الموجودة في العلاف الخارجي الأمامي داخلة في تشكيل المظهر الخارجي للرواية. كما أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات، لا بد أن تكون له دلالة جمالية أو قيمية. فوضع الاسم في أعلى الصفحة، لايعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في الأسفل. ولذلك غلب تقديم الأسماء في معظم الكتب الصادرة حديثا في الأعلى إلا أنه يصعب على الدوام ضبط جميع التفسيرات الممكنة وورود فعل القراء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات الخفية التي يمارسها توزيع الموقع في التشكيل الخارجي للرواية، إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانية.

ويمكن اعتبار حيثيات النشر عناوين فرعية إلى جانب العنوان البصري والتعيين الجنسين، بيد أن رواية" اللص والكلاب " إذا كانت قد ذكرت المطبعة ومكانها، فإنها لم تحدد زمنها وعدد طبعاتها.

3- المتن الحكائي:

تصور رواية" اللص والكلاب" سعيد مهران بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه سنوات عدة، أربع منها كانت غدرا، كان وراءها المعلم عليش سدرة وزوجته نبوية اللذين تآمرا عليه ودبرا له مكيدة للتخلص من وجوده العابث وتهديداته الطائشة، فأصبحت بنته سناء في كنف أمها ورعاية عليش منذ عامها الأول. بينما غيّب سعيد مهران بين قضبان السجون يندب حظه التعيس وأيامه النكداء بسبب مبادئه الثورية الزائفة التي لقنها إياها معلمه رؤوف علوان:

" مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لايطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحدا. ها هي الدنيا تعود، وها هو باب السجن الأصم يبتعد منطويا على الأسرار اليائسة. هذه الطرقات المثقلة بالشمس، وهذه السيارات المجنونة، والعابرون والجالسون، والبيوت والدكاكين، ولاشفة تفتر عن ابتسامة... وهو واحد، خسر الكثير، حتى الأعوام الغالية خسر منها أربعة غدرا، وسيقف عما قريب أمام الجميع متحديا. آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق، وللخونة أن ييأسوا حتى الموت، وللخيانة أن تكفر عن سحنتها الشائعة. نبوية وعليش، كيف انقلب الاسمان اسما واجدا؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب"

يشكل هذه المقطع الاستهلال الروائي الحدثي بؤرة الرواية وتمفصلها الأساسي ؛ لأنه يلخص كل الأحداث التي وقعت والتي ستقع داخل الرواية، كما توجز حبكة الرواية وعقدتها الجوهرية التي تتمثل في الانتقام من الخونة والثأر من الذين غدروا به وهم: المعلم عليش وزوجته نبوية ورؤوف علوان.

وبعد ذلك، يلتجئ الروائي إلى تمطيط هذا الاستهلال وتوسيعه وتبئيره سردا وتحبيكا وتشويقا عبر مسار المتن الحكائي، لتكون النهاية سلبية تنتهي باستسلام سعيد مهران وموته وفشله في إنجاز مهمته وأداء البرامج السردية التي أنيط بترجمتها وتنفيذها. ومن ثم، تصبح شخصية سعيد مهران شخصية إشكالية غير منجزة بسبب فشلها الذريع في الانتقام من أعدائه الخونة؛ بسبب السقوط في شرك الأخطاء والظنون والتوهمات العابثة التي جعلت الحياة في منظورها بدون جدوى ولا معنى .

وإذا كان الاستهلال الروائي ينبني على حبكة حدثية مسبقة، فإن المتن أو المركز الوسطي هو تنفيذ للانتقام والثأر. بيد أن هذا الفعل كان مجانيا وعشوائيا لايصيب إلا الأبرياء من البوابين وضحايا المستغلين البشعين. أما نهاية الرواية، فقد ركزت على فعل المطاردة وسحق المجرم تحت ضربات وطلقات الرصاص التي حولت مكان اختباء سعيد مهران إلى مقبرة مصيرية له.

وبهذا، تتخذ الرواية طابعا سينمائيا حركيا Action ، لأن المتن الروائي كتب بطريقة السيناريو القابل للتشخيص السينمائي والإخراج الفيلمي الدرامي. وفعلا، فقد تم إخراج هذا الفيلم سينمائيا منذ سنوات مضت في مصر؛ نظرا لتوفر الرواية على لقطات بصرية وحركية تستطيع جذب المتفرج.

وعلى أي، فبعد خروج سعيد مهران من زنزانته العدائية المغلقة، لم يجد أحدا من عائلته وأقربائه وأصدقائه في انتظاره خارج السجن، وهذا يشير إلى كونه مكروها من الجميع ومنبوذا بسبب سلوكياته المنفرة. بيد أن ماكان يسرقه من منازل الأغنياء وڤيلاتهم كان يعتبر فعلا بطوليا عند رؤف علوان، إنه نتاج التفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء. ولم يلتجئ سعيد مهران إلى هذه السرقة الطبقية إلا بعد موت أسرته الفقيرة ، أبيه البواب الذي مات مريدا سالكا مؤمنا حامدا لله، والأم التي عبث بها الفقر والنكد حتى ماتت طريحة الفراش في البيت المنهوك من شدة الفاقة و فوق سرير المستشفى الذي بقيت فيه بدون عناية ورعاية صحية إنسانية.

ولم يبق أمام سعيد مهران في هذه الظروف الصعبة إلا بالجمع بين دراسته والاشتغال بوابا، ليستكمل حياته بسرقة طلاب العلم وممتلكات الأغنياء. وكان أستاذه رؤوف علوان يشجعه على ذلك؛ لأن مصر الثورة كانت تتصارع جدليا مع الأسياد الأغنياء الذين حولوا الشعب المصري إلى عبيد ومستضعفين. وقد أشاد رؤوف علوان بهذه السرقات التي كان يعتبرها فعلا بطوليا و إنجازا ثوريا للقضاء على الطبقة الإقطاعية الغنية.

وهكذا، قرر سعيد مهران بعد خروجه من فضائه العدواني المنغلق أن ينتقم أولا من المعلم عليش وزوجته نبوية، واتجه حيال منزلهما بميدان القلعة الذي وجده محفوفا بالمخبرين الذين يحرسونه من كل سوء، وينتظرون اليوم الذي ستفتح أبواب السجن لسعيد ليأخذ ثأره على غرار أهل الصعيد في جنوب مصر.

ولما فشلت مفاوضات سعيد مع عليش حول استرجاع البنت والزوجة اللتين أنكرتا وجود سعيد واستنكرتا تصرفاته الدنيئة وسرقاته الموصوفة وتهديداته الماكرة، قرر سعيد مهران الاستعداد للمهمة والتأهب للانتقام من المعلم عليش، بعد أن نصحه المعلم بياضة والمخبر بالابتعاد عن هذه السكة التي لاتحمد عواقبها .

وغير سعيد وجهته، فقصد رؤوف علوان الذي أصبح صاحب جريدة ثورية مشهورة في البلد تسمى بـــ" الزهرة" تدافع عن سياسة الحكومة الجديدة، وصار بفضلها من أغنياء البلد ورجالها المعروفين في المجتمع والمقربين من رجال السلطة المحترمين.

وعندما استضاف رؤوف علوان سعيد مهران في منزله الفاخر في شكل ڤيلا واسعة الأرجاء ، كثيرة الأثاث والتحف الغنية، نادمه وأعطاه بعض النقود ليستكمل حياته من جديد بشرف وكرامة. وطلب سعيد من رؤوف أن يشغله محررا في جريدته، لكن رؤوف رفض ذلك، وأمره بأن يبحث عن شغل آخر يتناسب مع وضعه الاجتماعي.

وعندما خرج إلى المدينة تائها في طرقاتها وشوارعها، فكر في خطة الانتقام والتخلص أولا من رؤوف علوان الذي خان مبادئ الثورة وقيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وصار خادعا للشعب وماكرا كبيرا يزيف الحقائق التي من أجلها دخل سعيد السجن ومكث فيه سنوات عدة، أربع منها كانت بسبب الغدر والكيد الخادع.

وعندما فشلت محاولة سعيد مهران في سرقة ممتلكات مسكن رؤوف علوان الذي كان ينتظره بمسدسه العاتي؛ لأنه كان يعلم أن سعيد سيأتي للانتقام منه وسرقة مايملكه من أموال وأشياء ثمينة، فاسترد منه رؤوف جنيهاته ، وحذره أن يعيد الكرة وإلا سيزج به في السجن مرة أخرى.

وبعد أن عفا عنه رؤوف علوان،اتجه سعيد صوب رباط الشيخ علي الجنيدي للاستراحة الروحية والنفسية . وكان علي الجنيدي نقيب السالكين العارفين صديقا وفيا لأبيه الصالح، الذي قضى بدوره حياته في الجذب الصوفي والسفر النوراني والتعراج الروحاني مقتربا من الحضرة الربانية والسعادة القدسية اللدنية.

وبوصول سعيد إلى فضاء الجنيدي المفتوح، أحس براحة داخلية تغمره داخل هذا الفضاء العرفاني الصادق، على الرغم مما كان يحس به من ظمإ وجوع ينخران جسمه المتهالك، وماكان يعانيه من شدة الحقد والحنق على عليش ونبوية ورؤوف.

وكانت لسعيد مهران صداقة حميمية مع المعلم طرزان صاحب مقهى كان يتعود عليه قبل الزج به في السجن، وعرفه سعيد بآخر الأخبار، وطلب منه أن يساعده بمسدس لينتقم من الأوغاد والخونة والكلاب المسعورة التي تنهش اللحوم البشرية النيئة.

ويعد ذلك، سيعرف سعيد عشيقته نور حسناء الحانات والملاهي والأماكن الخالية ، والتي كانت في الماضي معجبة بفتوة سعيد وشجاعته الرجولية، لكن سعيد كان مغرما بخائنته نبوية.

ويقضي سعيد مهران أياما مع نور في شقتها المهترئة من شدة الفقر بين الانتظار اليائس واقتناص لذات الجسد العاطش. ومن هذه الشقة المتواضعة، كان ينطلق سعيد ليصوب رصاصاته الطائشة على علوان وزوجته نبوية ورؤوف علوان، بيد أن هذه الرصاصات كانت تخطئهم جميعا لتصيب الأبرياء والبوابين وضحايا الغبن والاستغلال. وهذا ماجعلت الصحف تكتب عن هذه الجرائم العابثة في حق الأبرياء والضعفاء والفقراء ، والتي لحسن الحظ كان ينجو منها الماكرون والخونة.

وفي الأخير، لم تجد كل محاولات الثأر والانتقام، فغدا سعيد مهران إلى فضاء الشيخ الجنيدي ليستلقي بجسده المتعب من شدة الضنى والتعب العابثين. ومن هناك، سيهرب سعيد إلى المقبرة بعد أن أحس بمطاردة المخبرين والكلاب له في كل مكان وناحية، فلم يجد حلا سوى الاستسلام للأوغاد والكلاب الذين أردوه طريحا بين أحضان المقبرة الصامتة لتضع نهاية لحياته العابثة:

" وفي جنون صرخ:

- ياكلاب!

- وواصل إطلاق النار في جميع الجهات

وإذا بالضوء الصارخ ينطفئ بغتة فيسود الظلام. وإذا بالرصاص يسكت فيسود الصمت. وكف عن إطلاق النار بلا إرادة. وتغلغل الصمت في الدنيا جميعا. وحلت بالعالم حال من الغرابة المذهلة. وتساءل عن.... ولكن سرعان ماتلاشى التساؤل وموضوعه على السواء وبلا أدنى أمل. وظن أنهم تراجعوا وذابوا في الليل. وأنه لابد قد انتصر.وتكاثف الظلام فلم يعد يرى شيئا ولا أشباح القبور. لاشيء يريد أن يرى. وغاص في الأعماق بلا نهاية. ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضوعا ولا غاية. وجاهد بكل قوة ليسيطر على شيء ما، ليبذل مقاومة أخيرة. ليظفر عبثا بذكرى مستعصية. وأخيرا لم يجد بدا من الاستسلام فاستسلم بلا مبالاة... بلا مبالاة

وهكذا، تنتهي الرواية بنهاية تنم عن العبث والاستهتار واللامبالاة والاستسلام بدون إرادة واعية ؛ لأن الحياة لاتستحق أن تعاش بين هؤلاء الكلاب اللعينة الغادرة.

3- صورة الشخصية في الرواية:

أ‌- بلاغة الصورة الروائية:

من أهم مكونات الرواية ومرتكزاتها الأساسية نجد صورة الشخصية الروائية التي تتضافر مع مكونات روائية أخرى كالفضاء والإيقاع والامتداد والتلقي لتكون عملا روائيا يمكن نعته على مستوى السياق الجنسي "رواية". ولايمكن تحديد صورة الشخصية باعتبارها مكونا واستخلاص سماتها إلا بوضعها ضمن سياقها الجمالي والأسلوبي وذلك بضبط قواعدها الفنية التي تستند إليها الصورة الروائية بصفة عامة. و ما الصورة الروائية إلا تجسيد جمالي وفني على مستوى اللغة والتعبير. ولهذه الصورة قواعد وضوابط جمالية تتمثل في الطاقة البلاغية واللغوية والسياق النصي والنوعي والذهني. وبالتالي، فالصورة الروائية صورة جامعة لكل العناصر الفنية التي تجعل من الرواية رواية.

هذا، ولقد تعددت المقاربات التي تناولت الشخصية من عدة وجهات ومنظورات. فهناك المنازع السيكولوجية والواقعية إلى جانب المناهج البنيوية والسيميولوجية. وترتب عن ذلك أن انتقلت الشخصية من مرحلة اللحم والدم إلى مرحلة الكائن الورقي ( رولان بارت)، ومن الشخص إلى الشخصية( ميشيل زيرافا)، و من الإنسان الواقعي ( القراءات الانعكاسية) إلى الشخصية المتخيلة أو إلى عامل من العواملActants))( فيليب هامون،گريماس).

إلا أننا عندما نتعامل مع الشخصية علينا أن نستفيد من كل هذا الموروث النقدي الذي ساهم في تحديد الشخصية وفهمها خارجيا وداخليا، كما ينبغي أن نستعين بالطرائق الفنية التي تلتجئ إليها الأسلوبية والصورة الروائية. و لايمكن أن تؤدي صورة الشخصية وظيفتها الجمالية أو الفنية إلا ضمن سياقها النصي، ولايمكن أن تكون إنسانية في أعماقها إلا إذا أقنعت المتلقي بصدق متخيلها السردي. إلا أن كثيرا من الباحثين يربطون الشخصية بوظيفتها المرجعية، لابسياقها الأسلوبي والإستيتيقي. فالبحث في موضوع صورة البطل – تؤكد فاطمة موسى- " في الفن القصصي شائق متعدد الجوانب يدخل في ميدان النقد والتاريخ الأدبي، كما يدخل في نطاق التاريخ الاجتماعي، فالأديب في تصويره للبطل في القصة أو المسرح يعبر عادة عن فلسفة معينة تكمن وراء رسمه لملامح الشخصية(...) والرواية من أكثر الفنون اهتماما بتصوير الإنسان في علاقته بالمجتمع، فهي في رأي الكثيرين ملحمة العصر الحديث، ولذا فإن تصوير الشخصيات فيها غالبا ذو دلالة مضاعفة".

ومثل هذه الدلالة المضاعفة هي التي تختزل – يقول أستاذي الدكتور محمد أنقار- " موقف النقاد الحائرين بين الصورة التخييلية للشخصية الروائية، وبين صورة الكاتب والعصر التي تعكسها تلك الشخصية"

ومن الذين ربطوا الصورة الروائية للشخصية بالمأزق المرجعي والتصور الإيديولوجي للكاتب تجاه عالمه وعصره نجد طه وادي الذي ينظر إلى الرواية على أنها تصور" تجربة إنسانية تعكس موقف كاتبها إزاء واقعه بنفس القدر الذي تفصح فيه عن مدى فهمه لجماليات الشكل الروائي، والرواية تقول هذا وأكثر من خلال أداة فنية مميزة هي(الشخصية)، وهذا ما جعل النقاد يعرفون الرواية بقولهم: إنها فن الشخصية".

هذا، وتستخلص الملامح الإنسانية الرفيعة للصورة الروائية للشخصية التخييلية من السياق الكلي للرواية بعد تضافر مكونات الرواية الجمالية وسماتها الفنية داخل نسيج الوظيفة الجمالية لصورة الشخصية. ويعد كل هذا في رأي الباحث المغربي الدكتور محمد أنقار منظر الصورة الروائية أقل خطرا من القول بــــــ"الانعكاس الاجتماعي" بمفهومه الموضوعي الواسع اعتمادا على مااهتدى إليه" يوري ريوريسكوف" أثناء كشفه عن ملامح إنسانية عميقة، من خلال التركيز على بعض تفاصيل البطلة في رواية" أنا كارنينا" لتولوستوي.

إن صورة الشخصية ذات مرجعية إنسانية ووظيفة جمالية أسلوبية، لاتتشكل إلا في سياقها النصي والذهني وإطارها الخارجي، وعبر الطاقة اللغوية المكثفة والطاقة البلاغية المشخصة بالمشابهة تارة والمجاورة تارة أخرى ولكن في سياقها الكلي لا الجزئي، وفي أبعادها الرمزية والتأويلية لا في تمظهراتها الخارجية أو السطحية فحسب.

وبناء على هذا الاستنتاج، يمكن القول: إن " الصورة الإنسانية للشخصية الروائية لاتتحقق بذاتها، بل بواسطة الكائنات والفضاء الذين يحيطان بها(...) وهذا يعني أن الوعي الكامل بصورة الحياة في الرواية، إنما يتحقق على مستوى التلقي وليس على مستوى الشخصية الرئيسية، التي تظل محدودة الإدراك مهما شحنها المبدع، وتفنن في تنميطها، ووسع دائرة وعيها"

وعليه، فإن البعد الإنساني هو الذي يحدد هوية صورة الشخصية ومفعولها الحيوي في العمل الأدبي ويكسبها حيوية وخصوبة ثرية في تلقي البناء التشكيلي لهذه الصورة عبر امتدادها الروائي وإيقاعها الدينامي أو المتوتر. وبالتالي، فهو الذي يصنف الصور الروائية إلى صور مختلة وصور متوازنة. كما: " أن الإلحاح على إبراز البعد الإنساني لصورة الشخصية الروائية، سيجنبنا – يقول الدكتور محمد أنقار- سبيل التحمس المبالغ فيه لهذا المكون أو غيره، فإذا كان لوبوك قد أكد أن الموضوع هو الذي يملي على الأسلوب الروائي إرادته، وتبنى ميشال زيرافاM.ZERAFFA بدوره الأطروحة التي ترى أن الشخصية هي التي تملي على الكاتب الأشكال المناسبة، فإن الإشكال الأساس، في رأينا، ينحصر في محاولات النقد لضبط المنطق والقوانين المورفولوجية للشخصية الروائية في فضائها الإنساني، أي فيما يسميه باختين بصورة الإنسان IMAGE de l'homme في اتصاله بالحدث الآني غير التام".

ب- مقاربة الشخصية الروائية عند جورج لوكاش ولوسيان گولدمان:

وقد عرفت الشخصية الروائية قبل هذا الطرح البلاغي الجديد(بلاغة الصورة الروائية)امتدادات نوعية وتجنيسية عبر امتداد الفن الروائي، فبعد الشخصية الملحمية والتراجيدية سنجد الشخصية الإشكالية Héro problématique ذات الطابع السلبي والإيجابي من خلال مواقفها اللوكاتشية الثلاثة:

1- الرواية المثالية : فيها ينتصر الموضوع على الذات( رواية دونكيشوت لسيرفانتيس مثلا).

2- الرواية الرومانسية : فيها تنتصر الذات على الموضوع(رواية مدام بوفاري لفلوبير مثلا),

3- رواية المصالحة: فيها تتكيف الذات مع الواقع الموضوعي

( رواية سنوات تعلم فلهلم مايستر لجوته).

وبعد الشخصية الإشكالية، كان الأمل الكبير معلقا على الرواية ذات الشخصية الجماعية الإيجابية( البطل الجماعي) ذات المنظور الاشتراكي ( روايات تولوستوي وماكسيم گورگي).

وقد حدد لوسيان گولدمان ثلاثة أنماط من الشخصية في الرواية الغربية انطلاقا من تماثلها مع تطور الوضع الاقتصادي الأوربي ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي إلى منتصف القرن العشرين، وهي الشخصية البيوغرافية التي تتسم بالفردية والتنميط الحضوري في الرواية الكلاسيكية الواقعية، و الرواية المنولوجية التي ستصاب فيها الشخصية بالذوبان تدريجيا، و الرواية الجديدة التي ستؤول فيها الشخصية إلى التفكك والزوال لتحل محلها الأشياء والأرقام.

ولقد حظي مبحث الشخصية بأبحاث الأنجلوسكسونيين في القرن العشرين وبدراسات النقد الفرنسي الجديد الذي استند في تنظيراته وتطبيقاته إلى الإرث الشكلاني الروسي، كما استفاد مبحث الشخصية بدراسات جادة على يدي ميخائيل باختين و ميشيل زيرافا. فما هو مفهوم باختين و زيرافا للشخصية الروائية؟

ج- صورة الشخصية عند ميخائيل باختين وميشيل زيرافا:

بعد كل ما سبق ذكره من تصورات تاريخية حول الشخصية الروائية، لابد من الوقوف عند بعض مواقف كل من ميخائيل باختين وميشيل زيرافا حول صورة الشخصية. فلقد خصص باختين فصلا لدراسة البطل بعنوان" البطل وموقف المؤلف تجاه البطل في إبداع دويستفسكي"،وتوقف في هذا الفصل إلى ثلاث لحظات تترتب عن بعضها البعض علاقة منطقية ، وهي حرية البطل النسبية، واستقلاليته ،وعلاقة ذلك بصوته في ضوء خطة تعدد الأصوات. فالبطل عند دويستفسكي هو عبارة عن وجهة نظر محددة عن العالم، وعن نفسه هو بالذات. أي إنه ذلك الشخص الذي يحمل رؤية للعالم ولذاته، يقول باختين:" البطل مهم بالنسبة إلى دويستفسكي لا على اعتباره ظاهرة من ظواهر الواقع، تجسد سمات محددة مميزة على المستوى الفردي، ونمطية صارمة على المستوى الاجتماعي، ولا على اعتباره هيئة محددة تتألف من ملامح أحادية الدلالة وموضوعية، قادرة بمجموعها على توفير إجابة عن سؤال"من يكون؟ كلا، فالبطل يهم دويستفسكي بوصفه موقفا فكريا وتقويما يتخذه إنسان تجاه نفسه بالذات، بوصفه موقفا فكريا، وتقويما يتخذه إنسان تجاه نفسه بالذات، وتجاه الواقع الذي يحيطه، المهم بالنسبة لدويستفسكي لا من يكونه بطله في العالم، بل بالدرجة الأولى ماالذي يكونه العالم بالنسبة للبطل وما الذي يكونه هو بالنسبة لنفسه ذاتها" .

المهم – إذاً- بالنسبة لدويستفسكي هو موقف البطل من العالم ومن نفسه. وهذا الموقف فكري وإيديولوجي وتقويمي وشهادة على الواقع والذات، ولايهمه موقع البطل في العالم، ومركزيته فيه، وأن ما يجب" الكشف عنه أو وصفه واستخلاصه، لا الواقع الحياتي المحدد الخاص بالبطل، لاصورته القوية، بل المحصلة النهائية لوعيه بالعالم ووعيه بذاته، إنه في نهاية المطاف كلمة البطل الأخيرة حول نفسه بالذات وحول عالمه".

إن البطل عند دويستفسكي هو عبارة عن شخصية حوارية لها منظور رؤيوي عن العالم وعن ذاتها، وهي بالتالي حرة ومستقلة نسبيا، لايتحكم المؤلف في تقرير مصيرها. وتقوم بوظيفة لانهائية وغير مكتملة، وغير منجزة. ومن ثم، يمكن الحديث عن صورة الشخصية غير المنجزة عند باختين.أما البطل المنولوجي الذي يوجد في أغلب الروايات الغربية فهو بطل مغلق، يسيره المؤلف كيفما يشاء. يقول باختين:" من وجهة نظر منولوجية، يعتبر البطل مغلقا، أما حدوده الدلالية فواضحة للعالم: إنه يفعل، ويعاني، ويفكر، ويعي ضمن حدود وجوده المتحقق أي في حدود صورته الفنية المحددة بوضعها واقعا حقيقيا، إنه عاجز عن التوقف عن كونه ماهو عليه بالفعل، أي عاجز عن الخروج من حدود شخصيته Character، من نمطه الشخصي ومن مزاجه، دون أن يخاطر في هذه الحالة في خرق خطة المؤلف المنولوجية عنه".

هذا، وإن شخصية دويستفسكي شخصية منقسمة على ذاتها وغير منجزة، تفتقر إلى الكمالية والأداء الفعلي الكلي لأدوارها والمطابقة الحقيقية للذات البطلة، ولا تشبه هذه الشخصية الإشكالية البطل الملحمي الذي نجده في الملاحم اليونانية وملاحم راسين. وهكذا فالبطل الراسيني الملحمي هو بكامله"الحياة الصلبة والراسخة، أشبه بعمل من أعمال فن النحت، أما بطل دويستفسكي فهو بكامله وعي ذاتي، بطل راسين هو في جوهره قيمة ثابتة ونهائية. أما بطل دويستفسكي فهو وظيفة لانهائية. إن بطل راسين مساو لنفسه هو بالذات، أما البطل عند دويستفسكي فلن تجده مطابقا لنفسه، في أي لحظة من لحظات وجوده لكن البطل الفني عند دويستفسكي دقيق بالضبط مثل بطل راسين".

وإذا انتقلنا إلى ميشيل زيرافا فلقد اهتم بدوره بصورة الشخصية، واعتير أن ما يملي الأشكال المناسبة على الكاتب هو مكون الشخصية. وبالتالي، فالسؤال الذي هيمن على نقاد العشرينيات من القرن الماضي هو العلاقات الموجودة بين شكل الرواية وانسجام الشخصية أو اتساقها أو وحدتها؛ لأن تشتت الشخصية وتفككها ينتج عنه تفكك البنية الروائية. إن الشكل الروائي بلا اتساق أو انسجام يشهد على عدم انسجام الموضوع المختار من طرف المبدع. ويعني هذا أن ثمة علاقة ضرورية بين الشكل الروائي ومفهوم الشخصية. أي إن الشكل الروائي هو الذي يفرض على الكاتب أن يختار الشخصية المناسبة لعمله الفني والإبداع.

وعليه، فالشخصية هي كائن رمزي يدل على فكر الكاتب، وتكون مكونا من مكونات الرواية التقنية، والرواية كذلك هي مقصدية وبناء و إجراء تخييلي منظم، هذه الخصائص- التي تميز الرواية عن الملحمة والتراجيديا- يعكسها سلوك الشخصية الروائية؛ لأننا نراها تفكر، حذرة، تحاول التكيف منطقيا مع الظروف الطارئة، المتنافرة الغامضة في الحياة.

د- الشخصية في رواية اللص والكلاب:

سوف نحاول في هذا المبحث التطبيقي أن نرصد صورة الشخصية في رواية نجيب محفوظ "اللص والكلاب" من خلال التركيز على شخصية واحدة ألا وهي شخصية سعيد مهران.

سعيد مهران في رواية "اللص والكلاب " شخصية متأزمة تعيش مأزقا مصيريا، إنها تذكرنا بالبطل الإشكالي اللوكاشي والگولدماني. يحمل البطل قيما أصيلة يحاول أن يغرسها في المجتمع الذي يعيش فيه إلا أنه يصاب بالخيبة والفشل عندما يحتك بواقعه المنحط الذي تسوده القيم الكمية الزائفة والوساطة المادية التبادلية. ولم يستطع تغيير واقعه على الرغم من محاولاته الخاطئة التي كانت تصيب الأبرياء فقط دون أعدائه. إن سعيد مهران لم يستطع أن ينجز الأفكار والمبادئ التي كان يؤمن بها والتي تعلمها من رؤوف علوان؛ لأن الواقع كان مهترئا تسوده السلبية المتدهورة ، كما أن هذا الواقع الذي يحاول أن يفجر فيه سعيد مهران أفعاله هو واقع غير مكتمل وغير منجز، تعبث به أيدي الإجرام والخيانة والغدر.

يصور نجيب محفوظ شخصيته الأساسية في الرواية باعتبارها شخصية مأساوية على عتبة القرار الأخير في لحظة الأزمة وفي لحظة انعطاف فعلها نحو اللاجدوى واللافعل أو نحو فعل غير منجز وغير محسوب.

هذا، وتصور رواية اللص والكلاب شخصية سعيد مهران بأنه لص خرج من السجن صيفا بعد أن قضى به أربعة أعوام غدرا لينتقم من الذين اغتنوا على حساب الآخرين، وزيفوا المبادئ، وداسوا على القيم الأصيلة مثل: رؤوف علوان وعليش سدره ونبوية لكي يجعل من الحياة معنى بدلا من العبثية ولا جدواها. وهكذا قرر أن ينتقم من هؤلاء الكلاب إلا أن محاولاته كانت كلها عابثة تصيب الأبرياء وينجو منها الأعداء مما زاد الطين بلة. فصارت الحياة عبثا بلا معنى ولاهدف ، ولقي مصيره النهائي في نهاية الرواية بنوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث:" ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضعا، ولا غاية وجاهد بكل قسوة ليسيطر على شيء ما ليبذل مقاومة أخيرة، ليظفر عبثا بذكرى مستعصية، وأخيرا لم يجد بدا من الاستسلام،فاستسلم بلا مبالاة...بلامبالاة".

تتموقع هذه الصورة الروائية الدرامية - سياقيا -عندما حوصر سعيد مهران من قبل المخبرين والكلاب في آخر نهاية الرواية. فهذه الصورة الروائية ذات قاموس وجودي تتمثل في الكلمات الآتية: غاية، عبث، بلا مبالاة، لم يعرف وضعا ولا موضعا. إنها تؤكد مدى سيزيفية شخصية سعيد مهران التي أصيبت بالخيبة عندما انهارت قيم المجتمع ومبادئه الأصيلة. وتوصف شخصية الرواية الرئيسية بأنها شخصية متأزمة متوترة تعيش فضاء العتبة، فضاء القلق والتردد والتمزق بين الذات والموضوع. إنها شخصية مغلقة لاوجود لها، مصيرها عبث بدون كينونة حقيقية، ولامكان لها ولاهدف، إنها حياة بلا طعم ولا لذة. وذهبت محاولات سعيد مهران كلها سدى، لم تستطع أن تجعل من الحياة هدفا ذا معنى. فلم تكن مقاومته في الأخير إلا عملا غير منجز وغير مكتمل، انتهى بالموت والمصير المحتوم. لذلك ارتضى بطل الرواية سبيل الاستسلام والموت الرخيص مادامت الحياة عبارة عن لامبالاة. ولقد كرر السارد هذه الكلمة تأكيدا على عبثية الحياة وعدم استحقاقها لأن تعاش، مادامت القيم الكيفية أصبحت قيما منحطة ومشيأة:" وأخيرا جاءت الكلاب وانقطع الأمل، ونجا الأوغاد ولو إلى حين، وقالت الحياة كلمتها الأخيرة بأنها عبث ومن المستحيل تحديد مصدر النباح الذي ينطلق مع الهواء في كل موقع وألا أمل في الهروب من الظلام بالجري في الظلام، نجا الأوغاد وحياتك عبث"

يتسم المعجم اللغوي في هذه الصورة الروائية بالطاقة الرمزية والشحنة الإيمائية والكنائية. فالكلاب هنا رمز للخونة والانتهازيين الذين غدروا بسعيد مهران وداسوا على المبادئ التي كانوا ينادون بها كالحرية والعدالة الاجتماعية ولاسيما رؤوف علوان وزوجته نبوية التي غدرت به وتزوجت عليش سدره .أما كلمة الأوغاد فهي دلالة على اللصوص الحقيقيين الذين خانوا العهد وفرطوا في القيم الأصيلة التي كانوا يتشدقون بها. أما الظلام فيتضمن بعدين: بعدا مرجعيا وبعدا رمزيا، فهناك الظلام باعتباره مؤشرا على سوداوية الفضاء وتأزمه، والظلام بالمفهوم الكنائي يعني الظلم الاجتماعي والسياسي وضغط الحكومة وجور سلطتها وانتهازية أعوانها . وتصور هذه الصورة مأزقية الشخصية الروائية (سعيد مهران) عندما ووجهت من كل مكان من قبل الشياطين الآدمية وقوى الكم والإحباط ، وخصوصا أن سياق الصورة يتموقع عندما بدأت الكلاب سواء أكانت حقيقية أم مجازا تتبع آثار اللص الذي اختفى في الظلام بين القبور، هذا الفضاء الذي يؤشر على الموت والنهاية التراجيدية، ولكن هذه النهاية بلا أمل ولا غاية.

أما على المستوى البلاغي، فالسارد يعمد إلى تشخيص الموقف عبر تأزيمه عندما جعل الحياة تحكم على إنجازات سعيد مهران بالفشل والعبثية لأنها إنجازات غير مكتملة ،وبالتالي لم تحقق معناها في هذا العالم غير المكتمل ،كما ساهمت هذه الاستعارات الروائية في مأساوية الموقف ودراميته عندما كررت الحياة حكمها على لسان السارد بأنها عبث. كما وظف نجيب محفوظ تقنية الالتفات وذلك عندما تحدث عن نجاة الأوغاد ، وأن الحياة قالت كلمتها الأخيرة بأن حياة سعيد مهران عبث، والتفت بعد ذلك إلى نباح الكلاب لتحديد مصدرها. ومن ثم، انتقل من الغياب إلى الخطاب، ليلتفت إلى شخصية مهران رغبة في تأكيد عبثية حياته. وهذا الالتفات على مستوى التلقي له وظائف جمالية عدة من بينها: التشويق؛ لأن القارئ ينتظر نهاية الشخصية واندحارها وذوبانها بعد أن تحاصرها الكلاب. إلا أن السارد قبل أن يحدد هذا الحصار، يوقف القارئ إلى عبثية الشخصية، ثم يعود إلى تأكيد الحصار وتعدد مصادر نباح الكلاب، ويعود في الأخير ليؤكد عبثية حياة سعيد مهران ولا جدواها:" وصاح صوت وقور:

- سلم، وأعدك بأنك ستعامل بإنسانية.

- كإنسانية رؤوف ونبوية وعليش والكلاب!(....)

- - حسن ماذا تنوي؟ اختر بين الموت وبين الوقوف أمام العدالة.

- فصرخ بازدراء:

- - العدالة!

- أنت عنيد، أمامك دقيقة واحدة...

ورأت عيناه المعذبتان بالخوف شبح الموت يشق الظلام".

في هذه الصورة الروائية، يتم تصوير موقف الحصار وتأزيمه عبر توتر الأحداث ودراميتها باعتباره سياقا للصورة. يطلب أصحاب القرار والسلطة من سعيد مهران أن يسلم نفسه وأنه سوف يعامل بإنسانية؛ بيد أن سعيد مهران سفه عبر المناجاة الداخلية والمنولوج من خلال حوار الذات المتأزمة منطق تلك الإنسانية . وإن علامة التعجب التي استخدمها الكاتب أيقونيا دلالة على الاستهزاء والسخرية والتهكم من مفاهيم الواقع المتعفن وتصوراته الإيديولوجية المستلبة . إن الإنسانية في هذه الصورة الروائية مكثفة بالترميز والإيحاء الذي يلمح إلى التفكير البراجماتي القائم على المصلحة والمنفعة

إن سعيد مهران كما يتضح من خلال الصور الروائية الجزئية والبناء الكلي لدلالة العمل رمز للوطنية الصادقة والروح الشعبية الحقيقية والنضال الاجتماعي المستميت من أجل المبادئ والقيم الأصيلة. وقد كان بمثابة نبراس يستضيء به الكثيرون من أبناء الشعب الكادح والمقهور في حياتهم التي يسودها النفاق الاجتماعي والابتزاز اللامشروع باسم النضال. إن شخصية سعيد مهران لهي شخصية متمردة عن قيم المجتمع ومبادئه الزائفة التي طالما دنست كرامة الإنسان وأنفته.

و لايسعنا في آخر هذا المبحث إلا أن نؤكد بأن صورة الشخصية لايمكن أخذها مأخذا جماليا وفنيا إلا في إطارها الإنساني وسياقها الجزئي والكلي عبر مستوياتها الخمس: قواعد الجنس والطاقة اللغوية والطاقة البلاغية والمستوى الذهني والسياق النصي.

وهكذا اهتدينا في مبحثنا إلى إثارة الانتباه إلى أهمية الصورة الروائية وضرورتها في كل عملية تحليلية يمكن" أن يخضع لها نص روائي، مبرزا فعاليتها الجمالية في التكوين النصي، ولقد ترتب عن تبني الصورة الروائية باعتبارها مكونا بلاغيا جديدا ضرورة استثمار مكونات وسمات روائية قلما استغلت طاقاتها في مجال التحليل الروائي كالامتداد والتوتر والتكثيف والدينامية والصور الذهنية والجزئية والكلية".

وبناء على ماسبق، لابد أثناء مقاربة الصورة الروائية للشخصية من مراعاة خصوصيات التجنيس الروائي السردي، وتجاوز مفاهيم الشعر ومصطلحاته الإجرائية إلى التسلح بمفاهيم مستمدة من جنس الرواية بصفة خاصة وفن السرد بصفة عامة.

وهكذا نؤكد مطمئنين أن الصورة الروائية لقراءة جادة ومعاصرة في مقاربة النصوص الروائية في أبعادها الجمالية والأسلوبية والإنسانية والبلاغية عبر سياقاتها الذهنية والخارجية والنصية

4- الفضاء الروائي:

يرصد نجيب محفوظ في هذه الرواية الفلسفية العبثية مدينة القاهرة بفضاءاتها المتناقضة إبان المرحلة الاشتراكية الناصرية في سنوات عقد الخمسين وسنوات عقد الستين حيث كانت تتميز بالتفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي.

فيعد انتهاء المرحلة الملكية ونفي الملك فاروق إلى إيطاليا، تولى الضباط الأحرار حكم مصر ونهجوا السياسة الثورية الاشتراكية. بيد أن الشعارات التي كانوا يدعون إليها شعارات زائفة لاتعبر إلا عن الممارسة الأرستقراطية الحقيقية. أي إن فترة العهد الناصري كانت تتميز بانعدام العدالة الاجتماعية، وانتشار الفقر والفاقة بين أوساط المجتمع، وانتشار البيروقراطية وخيانة المبادئ الثورية الاشتراكية، وانتشار الغنى الفاحش بين أوساط الضباط الأحرار والتابعين لهم. ولم تطبق الاشتراكية ميدانيا كما كان يدعو إليها الثوار، بل خان هؤلاء المبادئ والشعارات التي كانوا يرددونها.

ومن الفضاءات التي نستحضرها في هذا النص الروائي الفضاء العدائي الذي يتمثل في السجن الذي قضى فيه سعيد مهران سنوات عدة منها أربع سنوات قضاها غدرا وخيانة من قبل عليش ونبوية ورؤوف علوان. ومن الفضاءات العدائية الأخرى نذكر المقبرة التي استسلم فيها سعيد للامبالاة والأوغاد الخونة، والمقهى الذي تحول إلى مكان للمخبرين الذين يتصيدون سعيد للإيقاع به

كما توجد فضاءات حميمية مقابلة كفضاء التصوف الذي يسهر عليه الشيخ علي الجنيدي، ومنزل نور الذي يختبئ فيه من أعدائه والمخبرين الذين يتتبعونه في كل مكان.

أما فضاء العتبة أو فضاء المأساة والمواقف المتأزمة فيتمثل في الشوارع والمقاهي المفتوحة والحارات المكتظة بالناس، وميدان القاهرة الذي يغص بالناس من فئات اجتماعية وطبقية مختلفة

ويمكن تصنيف فضاءات الرواية إلى فضاءات منغلقة كالسجن وبيت عليش وشقة نور وڤيلا رؤوف علوان، وفضاءات مفتوحة كالرباط الصوفي ومقهى المعلم طرزان وفضاء الصحراء.

وقد انتقل الكاتب في وصفه والتقاطه للفضاءات المكانية من لقطات عامة تهدف إلى تصوير فضاء القاهرة، وبعد ذلك ينتقل إلى لقطات متوسطة لتصوير شوارع الميدان، لينتقل في الأخير بالكاميرا إلى التقاط صورة المقهى ومنزل عليش.

ومن هنا، تتداخل الأمكنة والفضاءات الحميمية والعدائية والمتفاوتة طبقيا واجتماعيا في مصر الستينيات من القرن الماضي التي كانت تتسم بجدلية الصراع الداخلي والخارجي.

5- الوصف في الرواية:

ينصب الوصف على الأشخاص والأمكنة والأشياء والوسائل، وله وظائف جمالية ودلالية وتوضيحية تفسيرية. ويقوم الوصف بتمثيل الموجود مسبقا ومحاكاته من أجل الإيهام بوجوده الحقيقي والمرجعي( الإيهام بالواقعية). ويهتم الوصف في الرواية الواقعية بتحديد المجال العام الذي يتحرك فيه الأبطال. ويعني هذا أن الوصف يستخدم في تحديد الخطوط العريضة لديكور الرواية، ثم لإيضاح بعض العناصر التي تتميز بشيء من الأهمية.

ومن العناصر التي تم التركيز عليها وصفا وتشخيصا وتجسيدا تصوير الشخصيات فيزيولوجيا واجتماعيا وأخلاقيا ونفسانيا، كوصف سناء التي أثارت أباها سعيد مهران بوجودها الرائع ؛ لأنه ترك بنته الوحيدة وهي طفلة صغيرة بين الأيدي الخائنة:" وعندما ترامى وقع الأقدام القادمة ، خفق قلب سعيد خفقة موجعة وتطلع إلى الباب وهو يعض على باطن شفتيه. مسح تطلع شيق وحنان جارف جميع عواصف الحنق. وظهرت البنت بعينين داهشتين بين يدي الرجل، ظهرت بعد انتظار طال ألف سنة. وتبدت في فستان أبيض أنيق وشبشب أبيض كشف عن أصابع قدميها المخضبتين. وتطلعت بوجه أسمر وشعر أسود مسبسب فوق الجبين فالتهمتهما روحه."

ويصف الكاتب رؤوف علوان ساخرا من مبادئه الزائفة وثورته الواهمة التي ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء والفقراء والبؤساء وزجوا بهم في السجن من أجل أن يستفيدوا من المناصب السامية ويقتسموا الثروة ليعيش الآخرون جوعا وفاقة:" رؤوف علوان، خبرني كيف يغير الدهر الناس على هذا النحو البشع؟! الطالب الثائر. الثورة في شكل طالب. صوتك القوي يترامى إلي عند قدمي أبي في حوش العمارة، قوة توقظ النفس عن طريق الأذن،عن الأمراء والباشوات تتكلم. وبقوة السحر استحال السادة لصوصا. وصورتك لاتنسى وأنت تمشي وسط أقرانك في طريق المديرية بالجلابيب الفضفاضة وتمصون القصب... وكنت بين المستمعين لك عند النخلة التي نبتت عند جذورها قصة حبي وكان الزمان ممن يستمعون لك. الشعب... السرقة... النار المقدسة. الثروة...الجوع....العدالة المذهلة. ويم اعتقلت ارتفعت في نظري إلى السماء. وارتفعت أكثر يوم حميتني عند أول سرقة. ويوم رد حديثك عن السرقة إلي كرامتي. ويوم قلت لي في حزن" سرقات فردية لا قيمة لهان لابد من تنظيم!". ولم أكف عن القراءة والسرقة بعد ذلك. وكنت ترشدني إلى السماء الجديرة بالسرقة. ووجدت في السرقة مجدي وكرامتي. وأغدقت على أناس كان من بينهم للأسف عليش سدرة."

ووصف الكاتب عليش سدرة و زوجته نبوية وخليلته نور في عدة مواضع من الرواية عبر مستويات خارجية واجتماعية وأخلاقية ونفسية تكشف لنا انتهازية عليش وخيانة رؤوف علوان ومكر نبوية واستهتار نور وصفاء الشيخ الجنيدي ونكران سناء لأبيها الخارج من السجن .

وينقل لنا الكاتب أمكنة متناقضة ، البعض منها يوحي بالغنى والثراء كڤيلا رؤوف علوان الغاصة بالأشياء الثمينة، والبعض الآخر يوحي بالفقر والفاقة والخصاص كشقة نور.

وإليكم مقطعا وصفيا يتداخل فيه وصف المكان ووصف الأشياء لتجسيد التفاوت الطبقي والصراع الاجتماعي:" وأضاء خادم النجفة بصر سعيد بمصابيحها الصاعدة ونجومها وأهلتها. وعلى ضوئها المنتشر تجلت مرايا الأركان عاكسة الأضواء، وتبدت التحف الثاوية على الحوامل المذهبة كأنها بعثت من ظلمات التاريخ، وتهاويل السقف وزخارف الأبسطة والمقاعد الوثيرة والوسائد المستقرة عند ملقى الأقدام. وأخيرا استقر البصر على وجه الأستاذ الممتلئ المستدير، ذلك الوجه الذي طالما عشقه وحفظه عن ظهر قلب لطول ما أحدق فيه منصتا. وبينا راح الخادم يفتح بابا مطلا على الحديقة في الجدار الأيسر ويكشف عنه ستائره مضى وهو ينظر إلى الأستاذ ويلحظ الروائع مسترقا."

و يلاحظ أن الكاتب لم يفصل كثيرا في وصف شخصياته وأماكنه وأشيائه كما كان يفعل بلزاك وستندال وفلوبير، بل اكتفى بفقرات موجزة ومقاطع موحية. ولكن وصفه لم يكن مقلا كما هو الحال عند الروائيين الجدد والذي كان يتسم بالإضمار والحذف والاختزال. وقد أحسن نجيب محفوظ وصف الأشياء التي تشير إلى تبرجز المجتمع العربي وشروعه في التأثيث وتملك الأشياء واقتناء التحف والأدوات الثمينة.

6- الرؤية السردية:

يستند الكاتب في رواية " اللص والكلاب " إلى الرؤية من الخلف واستعمال ضمير الغائب والسارد المحايد الموضوعي الذي لايشارك في القصة كما في الرؤية من الداخل، بل يقف محايدا من الأحداث يصف ويسرد الوقائع بكل موضوعية . ويشبه هذا السارد الإله الخفي ؛ لأنه يملك معرفة مطلقة عن الشخصيات ويعرف كل شيء عن شخصياته المرصودة داخل المتن الروائي خارجيا ونفسيا، إذ يزيل سقوف الشقق وجدران الغرف من أجل أن يدخل إلى البيوت لاستكناه أفعالهم وتصوير مشاعرهم الداخلية:" وجلس عند النخلة يشاهد صفي المريدين تحت ضوء الفانوس ويقضم دومة وينعم بسعادة عجيبة. وكان ذلك سابقا لنزول أول قطرة حارقة من شراب الحب. وأغمض الشيخ عينيه فكأنه نام. وألف هو المنظر والجو حتى البخور لم يعد يشمه. وطرأت فكرة بأن العادة أساس الكسل والكلل والموت. وهي المسؤولة عما عانى من خيانة وجحود وضياع جهد العمر سدى" .

ويتبين لنا من هذا المقطع أن الكاتب يستعمل الرؤية من الخلف وضمير الغائب ورصد ماهو خارجي وماهو داخلي، كما أن الراوي محايد ينقل لنا الحدث والشخصيات والفضاء من مكان ما قد يكون قريبا أو متوسطا أو بعيدا.

ومن وظائف السارد في الرواية السرد والحكي، وهذه هي الوظيفة الأساسية للسارد، ووظيفة التنسيق بين الشخصيات، ووظيفة الوصف من خلال تشخيص الشخصيات ووصف الأمكنة والأشياء ، ووظيفة النقد التي تتجلى في نقد الواقع وتشخيص عيوبه ومساوئه الكثيرة ولاسيما تفاوته الاجتماعي والطبقي الذي ينم عن انعدام العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري إبان الثورة الاشتراكية. وهناك الوظيفة الإيديولوجية التي تكمن في نقد التيار الاشتراكي والتجربة الناصرية التي ترتبت عنها خيانة المبادئ الاشتراكية الكبرى والتعريض بالذين خانوا الثورة باسم العدالة الاجتماعية والثورة على الملاكين الكبار ومحاربة الطبقية.

وثمة وظائف أخرى يقوم بها السارد يمكن حصرها في وظيفة التقويم والتعليق، ووظيفة الانفعال، ووظيفة التأثير، ووظيفة تصوير المرجع الواقعي.

7- الزمن السردي:

يلاحظ أن الزمن السردي في الرواية زمن صاعد خطي ينطلق من حاضر الخروج من السجن إلى مستقبل الاستسلام والموت. بيد أن هذا الزمن ينحرف تارة إلى الماضي لاسترجاعه( فلاش باك)، أو إلى المستقبل من أجل استشرافه.

ومن المقاطع السردية الدالة على الاستشراف المستقبلي الذي يحضر غالبا في شكل أحلام مستقبلية:" فلم يستطع جوابا، إلى هذا الحد بلغ منه الإعياء. وأقام الشيخ الصلاة، وما لبث سعيد أن غاب عن الوجود. حلم بأنه يجلد في السجن رغم حسن سلوكه، وصرخ بلا كبرياء وبلا مقاومة في ذات الوقت. وحلم بأنهم عقب الجلد مباشرة سقوه حليبا، ورأى سناء الصغيرة تنهال بالسوط على رؤوف علوان في بئر السلم. وسمع قرآنا يتلى فأيقن أن شخصا قد مات. ورأى نفسه في سيارة مطاردة عاجزة عن الانطلاق السريع لخلل طارئ في محركها واضطر إلى إطلاق النار في الجهات الأربع، ولكن رؤوف علوان برز فجأة من الراديو المركب في السيارة فقبض على معصمه قبل أن يتمكن من قتله وشد عليه بقوة حتى خطف منه المسدس، عند ذاك هتف سعيد مهران: اقتلني إذا شئت ولكن ابنتي بريئة، لم تكن هي التي جلدتك بالسوط في بئر السلم وإنما أمها، أمها نبوية وبإيعاز من عليش سدرة."

ومن المقاطع الدالة على استرجاع الماضي القائم على التذكر والاستدعاء قصد التلذذ بذكرياته أو الثورة عليه نقمة ورفضا:" وانتظرت عند النخلة الوحيدة في نهاية الحقل حتى قدمت نبوية فوثبت نحوها وقلت لها: لاتخافي، يجب أن أكلمك، أنا ذاهب، سأجد عملا أوفر ربحا، وأنا احبك، لاتنسيني أبدا، أنا أحبك وسأحبك دائما وسوف أثبت لك أني قادر على إسعادك وعلى فتح بيت محترم لك. وفي تلك الأيام كانت الأحزان تنسى والجروح تلتئم والأمل يحصد الصعاب، فيا أيتها القبور الغارقة في الظلمة لا تسخري من ذكرياتي!

ونهض من استلقائه فجلس على الكنبة في الظلام وخاطب رؤوف علوان كأنه يراه أمامه قائلا في سخرية:

- لو قبلت أن اعمل محررا في جريدتك يا وغد لنشرت فيها ذكرياتنا المشتركة ولخسفت نورك الكاذب..."

ويظهر لنا أن نجيب محفوظ يستفيد من تقنيات الرواية الجديدة ومن آليات السرد الموجودة عند أعضاء تيار الوعي كاستخدام فلاش باك واستشراف المستقبل وتوظيف الخطاب الحلمي الدال على الغضب والهذيان والتناتوس اللاشعوري الناتج عن الثأر والانتقام.

و يزاوج الكاتب على مستوى الإيقاع بين السرعة والبطء، ويتجلى إيقاع السرعة في الحذف والتلخيص، أما إيقاع البطء فيكمن في الوقفة الوصفية والمشاهد الدرامية.

فمن مظاهر الحذف الزمني خروج سعيد مهران من السجن بعد سنوات عديدة لم يذكر لنا الكاتب أي شيء عنها في الرواية ليترك الكاتب الأحداث تنساب بسرعة تارة، وببطء تارة أخرى، حيث يتوقف عند لوحات وصفية يلتقط فيها صور بعض الشخصيات كسناء وعليش ونبوية والشيخ الجنيدي ونور ورؤوف علوان، لينتقل من ثم، إلى ذكر بعض المشاهد الدرامية كمشهد المطاردة بين المقابر، ومشهد دخول سعيد إلى ڤيلا رؤوف علوان، ومشهد مهاجمة بيت عليش، ومشهد ضرب الشاب الذي كان يختلي بنور، ومشهد توقيف المعلم بياضة لمحاسبته، و المشهد الذي كان يتبادل فيه الحوار مع المعلم طرزان، و المشاهد الروحانية التي كان يستسلم فيها لوازع الدين والحب الرباني.

8- الصياغة الأسلوبية:

وظف نجيب محفوظ في روايته عدة أساليب سردية لنقل الأحداث والتعبير عن مواقف الشخصيات. ولقد أكثر من السرد ليقترب من الواقع أكثر لمحاكاته وتسجيله وتشخيصه بطريقة تراجيدية. وفي نفس الوقت، يلتجئ إلى الحوار قصد معرفة تصورات الشخصيات وتناقض مواقفها الإيديولوجية. كما التجأ أيضا إلى المنولوج للتعبير عن صراع الشخصيات وتمزقاتها الداخلية ذهنيا ونفسيا. ويحضر أسلوب سردي آخر يسمى بالأسلوب غير المباشر الحر الذي يختلط فيه كلام السارد مع كلام الشخصية وهو كثير بين ثنايا الرواية:" آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق، وللخونة أن ييأسوا حتى الموت، وللخيانة أن تكفر عن سحنتها الشائهة. نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسما واحدا؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديما ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر، ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر. وسناء إذا خطرت في النفس انجاب عنها الحر والغبار والبغضاء والكدر. وسطع الحنان فيها كالنقاء غب المطر. ماذا تعرف الصغيرة عن أبيها؟ لاشيء."

وعلى الرغم من كل هذه الأساليب، فإن السرد يبقى هو المهيمن على غرار الروايات الواقعية والوجودية، كما استعان الكاتب بالوصف أثناء تقديم الشخصيات والأمكنة والأشياء والوسائل وتحيين المشاهد الدرامية.

وتمتاز لغة نجيب محفوظ بكونها لغة واقعية تصويرية تستند إلى تسجيل المرجع وتمويهه بلغة تتداخل فيها الفصحى والعامية المصرية ليقترب أكثر من خصوبة الواقع العربي المصري. لذالك استعمل الكاتب تعابير العامية المصرية وأساليبها وألفاظها وصيغها المسكوكة. كما استعمل قواميس تدل على حقول دلالية مثل: حقل الأثاث، وحقل الطبيعة، وحقل الدين والتصوف، وحقل الصحافة والإعلام، وحقل السلطة والجريمة، وحقل الوجود و العبث، وحقل القيم، وحقل المجتمع، وحقل السياسة....

وعلى الرغم من استخدام اللغة الطبيعية الواقعية المباشرة التي تنبني على الخاصة التقريرية الجافة الخالية من كل رونق بلاغي وشاعري، إلا أن الكاتب يوظف في بعض الأحيان تعابير قائمة على المشابهة ( التشبيه والاستعارة) ، والمجاورة( المجاز المرسل والكناية)، واستعمال الرموز (اللصوص والكلاب...) لتشخيص الأحداث والمواقف وتجسيدها ذهنيا وإحاليا وجماليا.

ويشغل الكاتب جملا بسيطة ومركبة، وغالبا ماتكون الجمل الروائية جملا فعلية بفواصل قصيرة، تنمي مسار الأحداث وتؤزمها، وقد أورد الكاتب هذه الجمل ليحبك الأحداث ويحقق حركية السرد وتطوره الدرامي و يثري توتره على مسار الحبكة السردية والعقدة القصصية.

ويلاحظ أن نجيب محفوظ قد استفاد من التقنيات الغربية على مستوى الكتابة الروائية ( المنولوج، والأسلوب غير المباشر الحر، وفلاش باك، واستشراف المستقبل...)، وفي هذا الصدد يقول نجيب محفوظ:" كانت كل الأساليب أمامنا في وقت واحد. فعندما نشرع في الكتابة قد نستفيد من أي الطرق التي عرفناها ودخلت في آلية المنسي عندنا بدون وعي. فعندما أكتب قد استفيد من الواقعي التقليدي من الواقعي الحديث، من تيار الوعي....من...من...لأنني قرأت كل هذا في فترة واحدة بمعنى أن التجارب التي عاشتها أوربا في مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة اطلعت عليها أنا في عشر سنوات، وبهذه الطريقة استفدت من أكثر من أسلوب روائي ومن كل في لحظة أي في اللحظة المناسبة."

ويقول نجيب محفوظ أيضا في هذا السياق:" عندما لم أكن أقع تحت تأثير أحدهم، ولم تبهرني الإنجازات التكنيكية الحديثة. تخيل لو أنني كنت تأثرت به" جويس" وحاولت أن أنهج نهجه في تيار الوعي. لقد قرأت يوليسيز في أواسط الثلاثينيات لكنني عندما بدأت الكتابة كنت أطرح هذا كله وأنهج منهجا واقعيا...".

ولقد بدأ نجيب محفوظ كتاباته الروائية الأولى معتمدا على السرد والنص والوصف ، وكان يتحاشى المنولوج الداخلي ويتجنبه لمجافاته للرؤية التي يقدمها. ومن ثم، اعتمد محفوظ على لغة تشخيصية حديثة تزاوج بين الفصحى والعامية المصرية، وبذلك تخلصت لغته من البيان التراثي والأساليب العربية الركيكة التي عرفتها الرواية العربية في القرن التناسع عشر الميلادي.

9- الأبعاد النفسية و المرجعية في الرواية:

ببدو سعيد مهران شخصية غير متوازنة وغير متزنة بسبب كثرة أخطائها في إصابة أهدافها، كما أنها شخصية إشكالية تتأرجح بين الذات والموضوع، وتعاني من الصراع الداخلي ومن التمزق النفسي الناتجين عن خيانة زوجته نبوية وصديقه عليش سدرة وأستاذه رؤوف علوان الذي كان يعلمه النضال والثورة على الفقر عن طريق سرقة الأغنياء بطريقة فردية أو بطريقة جماعية منظمة، وكان منبهرا بصوته الثوري القوي وبمبادئه الاشتراكية الرائعة التي تسوي بين الفقراء والأغنياء في تقسيم ثروة الوطن وتوزيعها بعدالة على الشعب وأبناء المجتمع، بيد أن هذه الشعارات كانت جوفاء فارغة من كل معنى.

وعليه، فسعيد مهران بخروجه من السجن صار شخصية أخرى تريد الانتقام والثار ، أي أصبحت شخصية عدوانية حاقدة جاءت لتشعل النار في أجساد الخائنين والماكرين الخادعين الذين زجوا به في السجن كيدا وخديعة. ومن ثم، يتسلح سعيد مهران بالمسدس ليصفي حساباته مع كل الأوغاد الذين فرطوا في قيم التلمذة والصداقة و المحبة. لذا، يتحول سعيد إلى شخصية عدوانية عابثة ترى الوجود كله يأسا وسأما وعبثا بلا معنى ولا جدوى.

ويلاحظ أن التناتوس ( الموت أو الغرائز العدوانية ) هو الذي كان يحرك سعيد مهران شعوريا ولاشعوريا ، وهو الذي كان يدفعه لتصفية الحسابات مع الخونة والقضاء على حياتهم، ولكن شخصية مهران لم تكن تخطط جيدا لأهدافها. ومن ثم، كان قتله للأبرياء والبوابين دليل على مدى عبثية حياته ولا جدوى وجوده.

ومن ناحية أخرى، كان نجيب محفوظ ينتقد التجربة الاشتراكية الناصرية والضباط الأحرار والتابعين لنهجهم الذين كانوا يطلقون شعارات وطنية ثورية إبان مرحلة الملكية في عهد الملك فاروق ؛ إذ كانوا ينددون بالفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والمجتمعي، ويدعون إلى الحرية والديمقراطية ودسترة البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولكن لما تولى الضباط الأحرار الحكم وتسلم محمد نجيب وجمال عبد الناصر الحكم، كثر الفساد في هذه المرحلة وهيمنت البيروقراطية وأممت ممتلكات الشعب وازداد الفقر وكثر الجوع وانتشر الظلم الاجتماعي، واستفاد الثوار الاشتراكيون من المناصب السامية وأصبحوا متبرجزين على غرار الباشاوات في عهد الملكية المطلقة، وما رؤوف علوان إلا نموذج للانتهازية إبان الخمسينيات وفترة الستينيات. وخان الدعاة والساسة الشعارات الاشتراكية التي كانوا يدافعون عنها، ومكروا بالشعب واستفادوا من الثروات الطائلة، وسببت هذه الخيانة فيما بعد في عدة نكسات وهزائم استنزفت خزينة الدولة، ولاسيما الهزيمة النكراء التي انتصر فيها العدو الصهيوني على العرب وقوضت مكانة جمال عبد الناصر قوميا سنة 1967م.

ويقول غالي شكري محددا مرجعية الرواية وسياقها الخارجي:" تنتقل بنا ( الرواية) من الجو الملحمي إلى قلب التراجيديا مباشرة. ذلك أن التغيير المنشود قد تم في مناخ أقل ما يوصف به أنه شديد الاضطراب، فلا تنظيم سياسي يقود تطلعات الجماهير إلى الاشتراكية، والقرارت الفردية تنزل من عل فلا يتحقق منها ما يتحقق إلا بالقهر ودون مراجعة، والمنتمون الثوريون يعجزون عن المشاركة في تصحيح ما يستوجب التصحيح... وفي ظل هذا الغياب الشامل للتنظيم والديمقراطية جنبا إلى جنب القرارات العلوية التي لا يتسق مضمونها مع أدوات التنفيذ للدولة القديمة المهيمنة، يقع المنتمي في أزمة جديدة عنيفة بين الوجه الذي علمه الثورة وانضم إلى صفوف الطبقة الجديدة الوليدة وخان، وبين الوجه الرابض في أعماقه للكتاب والمسدس."

ويعني هذا أن سعيد مهران شخصية ثورية تحاول تغيير الواقع ولكن بدون هدف، أي إنها لم تنجح في ذلك أيما نجاح. ولقد " أضاف الواقع الحي إلى انتصارات العلم والفكر الاشتراكي، أن طبقة جديدة قد ولدت في ظل الفراغ التنظيمي والسياسي والأيديولوجي، وأن هذه الطبقة التي يمثلها في الرواية" الصحفي" رؤوف علوان قد خانت مبادئ الثورة وأمست العدو الأول لسعيد مهران وما يمثله من قيم... وكذلك أضاف الواقع الحي أن الشيخ الجنيدي لم يكن في جعبته من التصوف ما يشفي غليل سعيد مهران إلى الحرية والعدل".

ولا أتفق مع ماذهب إليه غالي شكري في تعليله لموقف الشيخ علي الجنيدي؛ لأن الحل الحقيقي لأزمة سعيد مهران هو الحل الديني والصوفي، وذلك بتنقية الضمير من ترهات الثوار الاشتراكيين الذين فشلوا في تغيير الواقع وزجوا بسعيد مهران إلى السجن، فالحل- إذاً- هو العودة إلى الله الضامن الحقيقي للسعادة البشرية. وإن رؤوف وأمثاله من الخونة انتهازيون لن يقدموا أي حل يسعد الإنسان سوى الحل الروحاني الذي يشير إليه علي الجنيدي عن طريق تغيير الإنسان لنفسه وتطهيرها من أطماع الدنيا الزائلة والتخلي عن شوائب الأيديولوجيا الزائفة والارتماء بين أحضان الرب. وموقف الجنيدي كان واضحا وهو أن يبدأ سعيد بالتصالح مع الله، وأن يقتنع بالوجود الحقيقي بدلا من الوجود الإيديولوجي والعبثي الذي يبحث عنه. و لن يتحقق التغيير في المجتمع إلا بالاتكال على الله والتحلي بالصدق والعودة إلى هداية الله وتمثل شريعته المستقيمة. وما هزيمة مصر في حرب حزيران 1967م أمام القوى الصهيونية والغربية سوى مؤشر على النفاق وتضعضع السياسة الناصرية والاحتكام إلى الأهواء الشخصية والإيديولوجية.

خاتمــــة:

وعلى أي حال، فرواية " اللص والكلاب" لنجيب محفوظ من خلال أساليبها وطرائق عرضها رواية فلسفية وجودية عبثية من حيث المضمون تتناول الجريمة والانتقام والثأر بأسلوب السخرية الكاريكاتورية والامتساخ الفانطاستيكي .

كما تجسد الرواية برؤيتها الواقعية الانتقادية ذات الملامح الاجتماعية والسياسية عبث الحياة وقلق الإنسان في هذا الوجود الذي تنحط فيه القيم الأصيلة وتعلو فيه القيم الكمية المنحطة.

وتعتبر هذه الرواية من حيث القالب والبناء والصياغة كلاسيكية الشكل والنمط ؛ بسبب تسلسل الأحداث وتعاقبها كرونولوجيا وتعاقب الأحداث زمنيا ومنطقيا ، وهيمنة السرد غير المباشر، وتشغيل الرؤية من الخلف وضمير الغياب، واستعمال الوصف الواقعي.

والرواية كذلك في مسارها السردي والدلالي والإيقاعي رواية مأساوية تراجيدية قوامها العبث واللاجدوى واللامبالاة، كما أنها ذات بناء دائري إلى حد ما تبدأ بالسجن وتنتهي بالاستسلام والعودة إلى السجن مرة أخرى، أو بالسقوط بين أحضان المقبرة وصمت الموت.

وعلى الرغم من كلاسيكية بناء الرواية، فقد استفاد نجيب محفوظ من تقنيات الرواية الجديدة ومن آليات الرواية المنولوجية وتيار الوعي أثناء استعمال المنولوج وفلاش باك واستشراف المستقبل وخطاب الأحلام وتوظيف الأسلوب غير المباشر الحر، كما استفاد كثيرا من الرواية الواقعية عند بلزاك وستندال وفلوبير، و من الرواية الوجودية كما عند سارتر وألبير كامو وروايات الروائيين الوجوديين العرب خاصة رائدهم الكبير: سهيل إدريس كما يتجلى ذلك واضحا في روايته العابثة" الحي اللاتيني" .   

18 juin 2008

منهجية كتابة نص فلسفي

منهجية كتابة نص فلسفي
المقدمة:
من المسلمات التي صارت منازعتها لا تخطر على بال أن مفهوم (مثلا الغير) احتل مكانة مرموقة في تاريخ الفلسفة حيث انكب الفلاسفة و المفكرين على دراسة كل من زاويته الخاصة مما أدى إلى وجود تعارض و اختلاف بين مواقفهم و تصوراتهم و النص الماثل بين ناظرنا يندرج ضمن نفس المفهوم إذ يسلط الضوء مسألة (………..) و من هنا بإمكاننا بسط الإشكال التالي : هل................أم....................؟

و منه بمقدورنا إيراد الأسئلةالتالية: بأي معنى يمكن القول......................................والى أي حد يمكن اعتبار................................
العرض
:
من خلال قراءتنا للنص يتضح انه ينبني على أطروحة أساسية مضمونها.................................(ثلاثأسطر على الأقل
)
حيث يستهل صائغ النص نصه (بتأكيد أو نفي أو استخدام الأساليبالحجاجية و الروابط المنطقية
)...............................
و قد استثمر منشئ النص جملة من المفاهيم الفلسفيةأهمها
............................................. ....................................
و في خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف علىمجموعة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية أبرزها
...................
تكمن قيمة و أهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النص في
................................................ ...............................
(
و لتأييد أو تدعيم أو لتأكيد) موقف صاحب النص نستحضر تصور
.................................................. ..................
(
وعلى النقيض أو خلاف أو في مقابل) موقف صائغ النص يمكن استحضار تصور
.............................................. ...
(
للتوفيق أوكموقف موفق) بين المواقف المتعارضة السالفة الذكر بمقدورنا إيراد تصور
............................................
خاتمة
:
يتبين مما سلف أنإشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية أفرزت موقفين متعارضين فادا كان صاحب النص ومؤيده (فيلسوف أو عالم أو مفكر) قد أكد على أن.......................فانمعارضهما(فيلسوف أو عالم أو مفكر) قد خالفهم الرأي حيثأقر
........................................
أما فيما يتعلق بموقفي الشخصي فإنني أضم صوتي إلى ما ذهب إليه من
...............................
بعض الصيغ لاستخدامها للمنهجية

الإطار الإشكالي(المقدمة)
الاستهلال
:
مما لا يختلف فيه البيان أن
............................................
من المسلمات التي صارت منازعتها
................................
لا تخطر على بال كون
...............................................
مما لا شك فيه أن
.................................................. ...
مما يستحق الذكر أن
..................................................
من المعلوم أن
.................................................. ........
السياق العام
:
و النص الماثل بين ناظرينا ينضوي ضمن المفهوم
.....................................
والنص قيد التحليل يندرج ضمن نفس المفهوم
............................................
و النص الذي بين أيدينا يتأطر ضم ننفس المفهوم
......................................
السياق الخاص
:
اذ يسلط الضوء على مسألة
............................................
حيث يعالج مسألة
.................................................. ......
و يتطرق الموضوع
.................................................. ..
اذ يتناول قضية
.................................................. ........
الإشكالالعام
:
و من هنا بمقدورنا بسط الإشكال التالي هل................... أم
...........................
لدى يجذر بنا طرح الإشكال التالي هل .....................أم
..............................
و في هذا الإطاربمقدورنا وضع الأشكال التالي هل ..........................أم
........................
الأسئلة الفرعية
:
و أخيرا
...............................
و منه تنبثق الاستفهامات  الجزئية الآتية .............................. ثم ................................ و أخيرا
....................................
و بالإضافة إلى هذا الإشكال تنتظم الأسئلةالفرعية التالية ............................ ثم ............................ وأخيرا
................................
كما باستطاعتنا بسط الأسئلة التالية ........................ ثم ................................ و أخيرا
...................................
الإطار( الإشكالي (
العرض

التحليل
:
تحديد الأطروحة

ينبني النص على أطروحة مركزية مفادها أن.................................
من خلال قراءتنا للنص يتضح أنه ينبني على أطروحة أساسية مضمونها أن
............................
يتضمن النص فكرة عامة مبناها
.....................................
يتمحور النص حول أطروحة مركزيةمغزاها
..................................
تحديد الأفكار و الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية

حيث يستهل صائغ النص نصه ب...................................
يبدأ كاتب النص نصه ب
.................................
إذ يفتتح صاحب النص نصه هذا ب
...................................
تحديد المفاهيم

-
يتضح من خلال النص انه يحتوي على جملة من المفاهيم الفلسفية من قبيل.....................................
-
لقد وظف صائغ النص لبناء نصه مجموعة مهمة من المفاهيم و المصطلحات الفلسفية يمكنناإيرادها كالتالي
.................................... ......
تحديدالأساليب الحجاجية

-
في خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف على مجموعة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية أبرزها.......................................
-
ولتدعيم موقفه هذا استخدم منشئ النص جملة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية وقد جاءت في النص كالتالي
.............................
-
وبغية إقناعنا بطرحها اعتمد صائغ النص ثلة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية من أهمها
..................................
تحديد قيمة أطروحة النص

-
تتمظهر القيمةالفلسفية للأطروحة المركزية للنص من خلال....................................
-
تتجلى قيمة أطروحة النص في كونها
.........................................
-
تكمن قيمة و أهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النصفي
..................................
المناقشة

المناقشة بالتأكيد
-
ولتأييد موقف صاحب النص نستحضر تصور...................................
-
ولتدعيم موقف صاحب النص يمكننا إيراد
.......................................
-
ولتأكيد تصور صاحب النص بمقدورنا تقديم موقف- وفي نفس المنحنى تنتظم أطروحة
..........................................
-
و في نفسالاتجاه يرى
........................................ ....... ........................
المناقشة بالاعتراض

-
و على خلاف تصور صاحب النصومؤيدوه نجد طرح...........................................
-
و على النقيض من الطرح الوارد في النص ينتظم موقف
.........................................
-
وعلى العكس من تصور منشئ النص يمكننا إيرادموقف
............................................
المناقشة بالتوفيق

-
للتوفيق بين الطرح الذي تبناه صاحب النص ومؤيدوه من جهة وبين الطرح الذي تبناه معارضوه من جهة ثانية باستطاعتنا تقديم تصور........................................
-
وكموقف موفق بين المواقف المتعارضةالسالفة الذكر بمقدورنا إيرادتصور
.............................................. ..
الاستنتاج والتركيب(الخاتمة)
صياغة خلاصة تركيبية موجزة
-
يتضح مما تقدم أن إشكالية...............................
-
يتبين مما سلف أن قضية
..................................
-
خلاصة القول أن موضوع
..................................
-
جملة الكلام أن مسالة
.......................................
-
نستخلص مما سبق أن إشكالية
....................................
إبداء الرأي الشخصي المبرر

-
أما في ما يتعلق برأيي الخاص فأضم صوتي.............................................. .
-
أما في ما يتعلق بموقفي الشخصي
...................................... ....
-
أمابصدد تصوري
..............................
-
أما فيما يرتبط بوجهة نظري الشخصية....................................... ...

18 juin 2008

منهجية الكتابة في مادةالفلسفة

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل

منهجية الكتابة في مادةالفلسفة

إن منهجية الكتابة في مادة الفلسفة تتجسد عمليا في مجموع الخطوات العامة التي تهيكل الموضوع، وتشكل العمود الفقري لوحدته وتماسكه. وبما أن الأسئلة تتنوع في السنة النهائية إلى أشكال ثلاثة :

  • النص الموضوع

  • القولة-السؤال

  • السؤال المفتوح

فسنحاول فيما يلي إعطاء تصور عام حول كل طريقة على حدة :

* منهجية مقاربة النص

يجب اعتبار النص المادة التي سينصب عليها التفكير، لذا تجب قراءته قراءة متأنية للتمكن من وضعه (النص) في سياق موضوعات المقرر؛ وبالتالي اكتشاف أطروحة المؤلف وموقعتها داخل الإشكاليات المثارة حول قضية أو إشكاية أو مفهوم... ويجدر بنا أن نشير، في هذا المقام، إلى أن منهجية المقاربة يحددها السؤال المذيل للنص، علما بأن النصوص عادة ما تطرح في السنة النهائية للتحليل والمناقشة بالنسبة لجميع الشعب. وعليه، نرى أن منهجية مقاربة النص لا تخرج من حيث الشكل على أية كتابة إنشائية (مقدمة ـ عرض ـ خاتمة)، إلا أن لمقاربة النص الفلسفي خصوصيات تحددها طبيعة مادة الفلسفة نفسها. وسنعمل في التالي على بسط هذه منهجية هذه المقاربة على ضوء تلك الخصوصيات.

1) طبيعة المقدمة :

إن المقدمة تعتبر مدخلا للموضوع، لذا يجب أن تخلو من كل إجابة صريحة عن المطلوب، حيث يفترض ألا توحي بمضامين العرض، لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت، وخصوصا لأن المقدمة ستكتسي شكل إجابة متسرعة.

كما أن المقدمة تعبير صريح عن قدرات وكفايات  عقلية، يمكن حصرها في الفهم (الأمر يتعلق هنا بفهم النص وفهم السؤال)، وبناء الإشكالية. وعليه، يجب أن تشتمل (=المقدمة) على ثلاث لحظات أساسية يتم فيها الانتقال من العام إلى الخاص : أي من لحظة تقديم عام هدفه محاصرة الإشكالية (cerner la problématique ) التي يتموقع داخل النص، تليها لحظة التأطير الإشكالي للنص، وبالتالي موقعته (=النص) داخل الإطار الإشكالي الذي يتحدد داخله، ثم الانتهاء بلحظة ثالثة تتمثل في طرح الإشكالية من خلال تساؤلات يمكن اعتبارها تلميحا للخطوات التوجيهية التي ستقود العرض.

علما بأن طرح الإشكالية ليس مجرد صيغة تساؤلية، وإنما هو طرح للتساؤلات الضرورية والمناسبة، والتي يمكن اعتبار الكتابة اللاحقة إجابة عنها. هكذا يمكن الاقتصار (أحيانا) على تساؤلين أساسيين : تساؤل تحليلي(يوجه التحليل)، وتساؤل نقدي تقويمي (يوجه المناقشة)، علما بأن هناك أسئلة أخرى يمكن اعتبارها ضمنية نهتدي بها داخل فترات من العرض، حفاظا على الطابع الإشكالي للمقدمة.

إن المقدمة – إذن - ليست استباقا للتحليل، ذلك ما يحتم الحفاظ على طابعها الإشكالي، ومن خلال ذلك الحفاظ على خصوصية مرحلة التحليل التي يفترض أن تكون لحظة تأمل في النص، من أجل الوقوف على الطرح المعروض داخله وإبراز خصوصياته ومكوناته.

2) طبيعة العرض :

يمكن اعتبار العرض إجابة مباشرة على الإشكالية، ومن ثمة فإن العرض يتضمن لحظتين كتابيتين أساسيتين، هما لحظتا التحليل والمناقشة.

2-1 لحظة التحليل :

إن هذه المرحلة من المقاربة عبارة عن قراءة للنص من الداخل لاستكشاف مضامينه وخباياه، وبالتالي تفكيك بنيته المنطقية وتماسكه الداخليين، كأننا نحاول أن نتأمل عقلية المؤلف لفهم الأسباب التي جعلته يتبنى الطرح الذي تبناه، ويفكر بالطريقة التي فكر بها. ومن ثمة، لابد من توجيه التحليل بالأسئلة الضمنية التالية: ماذا يصنع المؤلف في هذا النص، أو ماذا يقول؟ كيف توصل إلى ذلك؟ ما هي الحجاج التي وظفها للتوصل إلى ما توصل إليه؟

فالسؤال الضمني الأول يحتم إبراز الموقف النهائي للمؤلف من الإشكالية التي عالجه و/أو إبراز طبيعة أهمية الإشكالية التي أثارها... والسؤال الضمني الثاني يدفع إلى التدرج الفكري مع المؤلف، والسير معه في أهم اللحظات الفكرية التي وجهت تفكيره. أما السؤال الضمني الأخير هو سؤال يستهدف الوقوف عند البنية الحجاجية التي تبناها المؤلف، وبالتالي الوقوف عند الحجاج الضمنية والصريحة التي وظفها لدعم أطروحته، وتحديد خصوصيتها، وطبيعتها...

فالتحليل – إذن - هو لحظة تأمل في المضامين الفكرية للنص وهو في الآن ذاته لحظة الكشف عن المنطق الذي من خلاله بنى المؤلف تصوره.

2ـ2 لحظة المناقشة :

إن المناقشة لحظة فكرية تمكن من توظيف المكتسب المعرفي، بشكل يتلاءم مع الموضوع وبطريقة مناسبة...

يجب التأكيد، في هذا المقام، على أن المعلومات المكتسبة تؤدي دورا وظيفيا ومن ثم يجب تفادي السرد والإستظهار... وبعبارة أخرى، علينا أن نستغل المعلومات الضرورية بالشكل المناسب، بحيث يصبح مضمون النص هو الذي يتحكم في المعارف وليس العكس. هكذا سنتمكن من اعتبار المناقشة شكلا من أشكال القراءة النقدية لأطروحة النص، التي تكتسي غالبا صورة نقد داخلي و/أو خارجي تتم فيه مقارنة التصور الذي يتبناه النص بأطروحات تؤيده وأخرى تعارضه، وذلك من خلال توظيف سجالي نحرص من خلاله على أن نبرز مواطن التأييد أو المعارضة.

3) طبيعة الخاتمة :

يجب أن تكون الخاتمة استنتاجا تركيبا مستلهما من العرض، أي استنتاجا يمكن من إبداء رأي شخصي من موقف المؤلف مبرر(إن اقتضى الحال) دون إسهاب أو تطويل. فمن الأهداف الأساسية التي يتوخاها تعلم الفلسفة تعلم النقد والإيمان بالاختلاف.

منهجية مقاربة السؤال المفتوح:

  • إن التوجيهات الصادرة في هذا الشأن،  ا تؤكد على تصور منهجي مضبوط لمقاربة السؤال المفتوح، وهذا أمر يفسح المجال لكثير من التضاربات والتأويلات. ونعتقد أن طريقة السؤال المفتوح هي - بالعكس - من الطرق، الأكثر استعمالا لتقييم التلاميذ مقارنة مع طريقة القولة-السؤال. حيث أن الملاحظة الموضوعية تبين أن المواضيع المقترحة – في فرنسا نموذجا – تكاد تنحصر في نوعين : السؤال المفتوح ومقاربة النص. وحتى تكون منهجية مقاربة السؤال المفتوح، في المتناول سنصحب الخطوات النظرية بنموذج، الهدف منه الاقتراب من الكيفية التي يمكن من خلالها فهم الجانب النظري. من أجل ذلك، نقترح السؤال التالي : " هل يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ؟ "

يمكن أن نلاحظ أن هذا السؤال قابل لكي نجيب عليه بالنفي أو الإيجاب أو برأي ثالث يتأرجح بينهما...إلخ. صحيح أن الفلسفة تفكير نقدي، إلا أنها، في ذات الوقت، تفكير عقلي منطقي ينبني على المساءلة، والفهم، والتفكير، قبل إصدار الأحكام. وحتى لا يظهر موضوعنا في صورة الأحكام القبلية والجاهزة ؛ لا بد من أن يكتسي صيغة إنشاء، أي بناء فكري متدرج ينطلق من الفهم إلى النقد، مستثمرين الأطروحات الفكرية والفلسفية التي نعرفها.

لنتفحص السؤال المطروح أولا :

يلاحظ ، أننا إذا أزلنا الطابع الاستفهامي للسؤال ( هل] يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية [؟ )، نحصل على العبارة التالية : " يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ". الأمر الذي يستدعي منا، أولا، توضيح ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ ! قبل أن ننطلق في مناقشة " هل يمكن اعتبارها حتمية اجتماعية ؟ ". ونعتقد أن تسجيل هذه الملاحظة الأولية سيساعدنا على تمثل الخطوات المنهجية اللاحقة.

1) طبيعة المقدمة

لا يجب، أبدا، أن ننسى أن هدف المقدمة في الفلسفة، هو أن نحول الموضوع، المطروح علينا، إلى قضية إشكالية. وعليه، لابد أن يتحول السؤال ذاته، إلى إشكالية. وذلك بتأطيره، أولا، داخل الموضوعة العامة، ثم داخل الإشكالية الخاصة. كما هو الشأن بالنسبة للنص، أو القولة. لكي تنتهي مقدمتنا، بالتساؤلات الضرورية، المستلهمة من السؤال المطروح علينا ذاته. وحتى يكون كلامنا إجرائيا نعود إلى " سؤالنا ".

للتأطير الإشكالي، للسؤال المقترح، يمكن أن يتخذ تقديمنا العام، صيغا متنوعة. كأن نستغل – مثلا - التنوع الدلالي لمفهوم الشخصية، أو نستغل طبيعة الفلسفة وما تتسم به من خصوصية في دراستها للقضايا المتميزة بطابعها الإشكالي، لنخلص بعد ذلك إلى التأطير الإشكالي للسؤال، بإظهار أن هذا السؤال يحتم علينا مقاربة مفهوم الشخصية خصوصا من حيث إشكالية الشخصية وأنظمة بنائها. لننتهي إلى طرح الإشكالية من خلال صيغة تساؤلية كالآتي : ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ وإلى أي حد يمكن اعتبارها (أي الشخصية) منتوجا حتميا لمعطيات اجتماعية موضوعية ؟ فلا يجب أن ننسى أن المهم في بناء الإشكالية، ليس هو وضع التساؤلات لذاتها، ولا عددها ؛ وإنما التعبير عن التساؤلات التي سنجيب عنها، والتي لن تؤدي الإجابة عنها إلى الخروج عن الموضوع.

2) طبيعة العرض

ينقسم العرض إلى مرحلتين، وبالتالي لحظتين فكريتين متكاملتين :

مرحلة فهم القضية المطروحة علينا لتقييمها، ويجب في ذلك أن نستغل مكتسبنا المعرفي والأطروحات التي درست. حيث يجب أن تنم كتابتنا عن تأطير فكري للقضية التي سنناقشها. ومن أجل ذلك، يجب أن تبتعد كتابتنا عن العموميات و"الكلام المبتذل" الذي يمكن أن نجده عند "أي كان". إلا أنه، في ذات الوقت يجب أن نتحاشى الطابع السردي، الذي لا ينم إلا عن الحفظ والاستظهار. فنعمل، بالتالي، عن الاستثمار الوظيفي الجيد للمدروس (في الفصل أو خارجه).

وبالنسبة " لسؤالنا " يتعلق الأمر هنا بإظهار تميز الخطاب السوسيوثقافي في التأكيد على الحتمية الاجتماعية للشخصية وأهمية التنشئة الاجتماعية في بنائها (توظيف نماذج من الأطروحات السوسيوثقافية)، مع الحرص على إبراز اقتراب بعض التصورات السيكولوجية من هذا التمثل. حيث، أن المدرسة السلوكية – مثلا – تنفي دور الاستعدادات الفطرية، والمؤهلات الفردية، في بناء الشخصية. كما تتميز المدرسة اللاشعورية، بتنويع مكونات الشخصية، إلى جانب فطري (الهو) وآخر ثقافي (الأنا والأنا الأعلى) والتأكيد على توجيه الجانب الثقافي للفطري. مما يؤكد التفاف العلوم الإنسانية (باستثناء المدرسة الشعورية) حول حتمية الشخصية. ويمكن الإشارة إلى وجود أطروحات فلسفية – قريبة من العلوم الإنسانية - تؤكد على الحتمية الاجتماعية للإنسان (الماركسية مثلا).

ليتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة البحث عن الأطروحات النقيض، وبالتالي، الاستغلال الوظيفي الجيد للأطروحات، التي ترى رأيا مناقضا لما تم طرحه سابقا بعيدا - كذلك - عن الحشو والسرد والاستظهار...

ويتعلق الأمر بالنسبة " لسؤالنا " بالأطروحات الفكرية التي تتمثل الشخصية، وبالتالي الإنسان، بعيدا عن الإكاراهات الاجتماعية المباشرة، أو النفسية، الناجمة عن تلك الإكراهات. ويتعلق الأمر - في هذا الصدد - بالخطاب الفلسفي الذي يربط الشخصية بالوعي (كانط وديكارت مثلا)، والخطاب الفلسفي، الذي ينفي عن الإنسان، كل ثبات، فيرى الشخصية في تجدد أصيل، وفي ديمومة (برغسون). أو يرى أن ليس للإنسان ماهية ثابتة، لأن "الإنسان يوجد أولا، ثم يحدد ماهيته بعد ذلك" معبرا عن إرادته وحريته (سارتر).

3) طبيعة الخاتمة

ما ننفك، نؤكد على أن الخاتمة، لابد أن تتوزع إلى استنتاج، ورأي شخصي. فالاستنتاج يجب أن يكون دائما مستلهما من العرض فيعتبر، بالتالي، حصيلة، وملاحظة موضوعية للتنوع الفكري الذي يشوب النظرة إلى القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. الأمر الذي يعطي لنا، كذلك، الفرصة لندلي بدلونا في الأمر، ونعطي رأيا في الموضوع. إلا أن هذا الرأي، لابد أن يكون مبررا باقتضاب، فنوظف - من أجل ذلك - ما نعرفه من أطروحات. وفي كل الأحوال يجب أن نتحاشى الآراء الفضفاضة من قبيل "الأجدر أن نتبنى ما ذهب إليه الخطاب الفلسفي." أو "وفي هذا الموضوع يستحسن أن نتفق مع الخطاب السوسيوثقافي." ...إلخ، لأن هذا، كما يلاحظ، كلام يحتاج إلى بعض التوضيح.

منهجية مقاربة القولة

من الطرق التي تم اختيارها - إذن - لمساءلة المترشحين، لاجتياز امتحان الباكلوريا في مادة الفلسفة، طريقة القولة-السؤال. وفي هذا الإطار، وجب التنبيه إلى بعض الصعوبات، التي يمكن أن نجدها في مقاربة القولة، والتي يمكن أن نحصر أهمها فيما يلي :

  • تعودنا على طريقة مقاربة النص طيلة الدورة الأولى، مما يؤدي إلى تعميم هذه المقاربة على القولة la citation.

  • حجم القولة (الصغير) الذي لا يساعدنا كثيراعلى إدراك مضمون القولة بسرعة.

  • فهم السؤال المذيل للقولة، وبالتالي موقعته بشكل من الأشكال داخل المكتسب المعرفي السابق.

ولتخطي هذه الصعوبات، وغيرها، لابد أن ندرك، أولا وقبل أي شيء، أن السؤال المذيل للقولة سؤال يتألف من مطلبين : مطلب يفترض فيه، أن يدفع بنا نحو الكشف عن الأطروحة المتضمنة في القولة، وبالتالي استخراجها. ثم مطلب يدفع بنا نحو مناقشة القولة، وبالتالي تقييم الأطروحة المفترض أن تتضمنها القولة. وسنحاول، فيما يلي، تقديم تصور نظري حول الخطوات المنهجية المتوقعة من مقاربة القولة.

1. طبيعة المقدمة

إن من خصوصيات الفلسفة، أنها لاتدرس إلا القضايا ذات الطبيعة الإشكالية. ومن ثمة، لا بد أن نعمل - في مستوى المقدمة - على تحويل القولة إلى قضية إشكالية. وذلك ما يجعل طريقة التقديم، في مقاربة القولة، قريبة من طريقة التقديم في مقاربة النص. ويستحسن، في صياغة الإشكالية، أن تتنوع الأسئلة إلى نوعين أسئلة ذات طبيعة ماهوية، وأسئلة ذات طبيعة نقدية تقويمية. بما أن المطلوب منا، أولا، هو استخراج أطروحة القولة، فالسؤال الماهوي، يتيح إمكانية التعمق في القولة و"الغوص" داخلها، بدل أن نحوم حولها. أما الأسئلة ذات الطبيعة النقدية، فهي توفر مناسبة للابتعاد النسبي عن القولة، وبالتالي إبراز قيمتها الفلسفية والفكرية على ضوء معطيات قبلية، وبالتالي أطروحات اكتسبناها سابقا.

2. طبيعة العرض

يتنوع العرض إلى لحظتين فكريتين مسترسلتين : لحظة القراءة ولحظة التقييم (أو النقد).

1.2 لحظة القراءة :

وهي لحظة مكاشفة القولة، وبالتالي اللحظة الفكرية التي يجب أن نلزم فيها القولة على التفتق للبوح بأطروحتها أو الخطاب الذي تحمله، أو التصور الذي تعرضه .. أو هذه الأمور كلها مجتمعة. وهذه القراءة تتنوع بدورها إلى قراءتين : سنصطلح على تسميتهما تباعا بالمقاربة المفاهيمية، و المقاربة الفكرية. ثم تليهما مباشرة لحظة الاعلان عن الأطروحة المتضمنة في القولة.

1.1.2 المقاربة المفاهيمية :

وهي لحظة وقوف عند المفاهيم الأساسية، للقولة التي يمكن اعتبارها مفاتيح ضرورية للكشف عن أطروحة القولة. إلا أنه يجب الحرص على أن تبتعد القراءة في المفاهيم، عن الشرح اللغوي والخطاب العمومي المبتذل، وأن تحاول الرقي إلى مستوى التنظير الفلسفي. خصوصا وأن المفترض، أنه يتم التعود على هذه المقاربة، أثناء توظيف النصوص داخل الفصل. علاوة على أن هذه مقاربة، يجب أن نتعود عليها في السنة الثانية أدب، على اعتبار أن أحد الأسئلة المذيلة لنصوص الاختبار، قد يحتم علينا ذلك. (بدل شرح "عبارة"، يمكن أن يطلب من تلاميذ السنة الثانية شرح مفهوم أو مفاهيم من النص...)

2.1.2 المقاربة الفكرية :

وهي اللحظة الفكرية، التي يجب أن نحول فيها القولة، إلى "مقولات" فكرية وبالتالي "أطر" نستطيع أن نوسعها فكريا وفلسفيا، حتى نجعلها تأخذ طابع الخصوصية. وبذلك نحول خطاب القولة "المقضب" إلى خطاب رحب، باعتباره، يحمل في مكنوناته أبعادا فكرية، وفلسفية، لايستطيع أن يكتشفها إلا من كلف نفسه عناء التأمل، والتفكر، والتدبر.

بعد ذلك، نستطيع الكشف عن أطروحة القولة، في صورة استنتاج، يظهر أن هذه اللحظة كانت ثمرة للمجهود الفكري الذي قمنا به أثناء القراءة السابقة.

2.2 لحظة التقييم

بما أننا - الآن - نعرف الأطروحة التي كانت القولة تخفيها في طياتها ؛ فإن ما يتوجب القيام به مباشرة - بعد ذلك - هو الانفتاح على المكتسب المعرفي السابق، وبالتالي البحث عن الأطروحات التي تسير في توجه القولة. ونحن نعتبر أن هذه المرحلة ليست تقييما، أو نقدا مطلقا، لأن في ذلك نوع من الإتمام للمرحلة السابقة. فالأطروحات التي سنأتي بها كنماذج، لا تأتي لتزكي طرح القولة فحسب، وإنما لتزكي كذلك القراءة التي قمنا بها، وتبين لماذا حددنا أطروحة القولة في موقف دون آخر، أو لماذا تندرج في خطاب فكري معين دون الخطابات الأخرى ...إلخ

لتأتي بعد ذلك لحظة التقييم الحاسم، والتي تتجلى في البحث عن النقيض، واالمعارض (l'antithèse ) في المكتسب المعرفي، واستثماره، بشكل يظهر بأن الموقف الذي تتبناه القولة ليس بالموقف النهائي.

3) طبيعة الخاتمة

كثيرا ما يتم الاستخفاف بالخاتمة ونحن نعتبرها لحظة حاسمة من لحظات الموضوع . فهي لحظة تفكر فيما سبق ولحظة تعبير عن الذات. لذا نعتبر الخاتمةاستنتاجا منبثقا من اللحظات الفكرية السابقة، وبالتالي تعبير عن رأينا الشخصي من موقف القولة. رأي ينطلق من الحق الأسمى (الذي لا يتناقض مع روح الفلسفة) الذي نملكه، في أن نكون مع، أو ضد، أي خطاب أو تصور إلا أن ذلك لايجب أن يكون بطرقة جزافية مفتعلة ولا بطريقة مسهبة.

منهجية مقاربة القولة في جدول

الخطوات العامة

المراحل المنهجية

أهم المهارات العقلية

المقدمة

تقديم عام
تأطير إشكالي للقولة
طرح الإشكالية:
تساؤل يدفع نحو اكتشاف الأطروحة المتضمنة في القولة
تساؤل يدفع نحو تقييم أطروحة القولة

الــفهم
طرح الإشكالية

العرض

مرحلتان فكريتان أساسيتان :

1) قراءة القولة

أ) المقاربة المفاهيمية
وتتلخص في الوقوف عند أهم المفاهيم
الموجودة في القولة.
ب) المقاربة الفكرية
وتتلخص في الوقوف عند المضمون
الفكري للقولة
ج) لحظة استنتاج الأطروحة

2) تقييم (مناقشة) الأطروحة

أ) لحظة الانفتاح على الأطروحات التي
تسير في توجه القولة.
ب) لحظة مقابلة الأطروحة بالأطروحات
النقيض

القدرة على القراءة
القدرة على الـتأويل
القدرة على الشرح الفلسفي

المقارنة
المقابلة
التقييم
السجال
الــنقد 

الخاتمة

استنتاج ورأي شخصي

الاسنتاج
الــنقد

18 juin 2008

الحرية

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل

الحرية     

مــقـدمــــة:

       مما لامناص منه أن مفهوم الحرية من المفاهيم  الفلسفية الأكثر  جمالية ووجدانية، فلهذا السبب اتخذت دائما  شعارا للحركات التحررية والثورية ومختلف المنظمات الحقوقية في العالم، باعتبارها قيمة إنسانية سامية تنطوي على مسوغات  أخلاقية واجتماعية وأخرى وجدانية وجمالية. إلا أنها تعد من المفاهيم الفلسفية الأكثر جدلا واستشكالا.

فقد طُرحت الحرية بالقياس دوما إلى محددات خارجية؛حيث كانت مسألة الحرية تطرح في الفكر القديم قياسا إلى القدرة  والمشيئة الإلهية واليوم تُطرح قياسا إلى العلم الحديث بشقيه ،سواء علوم الطبيعة أم الإنسان.

فماذا تعني الحرية:هل الحرية أن نفعل كل ما نرغب فيه؟أم أنها محدودة بحدود حرية الآخرين؟وبناء على ذلك أين يمكننا أن نموقع الذات الإنسانية؟ هل هي ذات تمتلك حرية الاختيار وبالتالي القدرة على تحديد المصير؟ أم أنها ذات لها امتدادات طبيعية خاضعة لحتميات متعددة؟ ثم هل الحرية انفلات من رقابة القانون وأحكامه؟ أم أنها رهينته؟

1. الحرية والحتمية:

إذا كانت الحرية تتحدد بقدرة الفرد على الفعل والاختيار،فهل ستكون هذه الحرية مطلقة أم نسبية؟وهل ثمة حتميات وضرورات تحد من تحقيق الإرادة الحرة لدى الإنسان؟

يرى سبينوزا، أن  الحرية، أو بالأحرى الشعور بالحرية مجرد خطأ ناشئ مما في غير المطابقة من نقص وغموض؛ فالناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يجهلون العلل التي تدفعهم إلى أفعالهم، كما يظن الطفل الخائف انه حر في أن يهرب، ويظن السكران انه يصدر عن حرية تامة، فإذا ما تاب إلى رشده عرف خطأه. مضيفا أنه لو كان الحجر يفكر، لاعتقد بدوره أنه إنما يسقط إلى الأرض بإرادة حرة. وبذلك تكون الحرية الإنسانية خاضعة لمنطق الأسباب والمسببات الذي ليس سوى منطق الحتمية.

أما كانط فينطلق  في معرض بحثه لمفهوم الحرية،من فكرة تبدو له من المسلمات والبديهيات، مفادها أن الحرية خاصية الموجودات العاقلة بالإجمال؛ لأن هذه  الموجودات لا تعمل إلا مع فكرة الحرية. غير أن أي محاولة من العقل لتفسير إمكان الحرية تبوء بالفشل، على اعتبار أنها معارضة لطبيعة العقل من حيث أن علمنا محصور في نطاق العالم المحسوس وأن الشعور الباطن لا يدرك سوى ظواهر معينة بسوابقها، وهذه المحاولة معارضة لطبيعة الحرية نفسها من حيث أن تفسيرها يعني ردها إلى شروط وهي علية غير مشروطة. كما ينص كانط على التعامل مع الإنسان باعتباره غاية، لا باعتباره وسيلة، ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته ، هو كل ما يستمد قيمته من ذاته،  ويستمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. يقتضي هذا المبدأ بان يختار كل فرد بحرية الأهداف  والغايات التي يريد تحقيقها بعيدا عن قانون التسلسل العلي الذي يتحكم في الظواهر الطبيعية.

في حين يرى كارل بوبر ضرورة إدخال مفهوم الحرية إلى دائرة النقاشات العلمية ،وخلصها من التصورات الحتمية.فالعالم الفيزيائي حسبه مفتوح على إمكانيات إنسانية عديدة ،وهي إمكانيات حرة تتميز بالإبداع والابتكار. فالأفعال والأحداث ليست من محض الصدفة، وإنما نابعة من الإرادة الحرة للفرد الذي يعيش وسط العوالم الثلاثة.

غير أن  سارتر يعتبر أن الحرية لا تتحدد فقط في الاختيار،وإنما في انجاز في انجاز الفرد لمشروعه الوجودي ،مادام أنه ذاتا مستقاة تفعل وتتفاعل،أما الإحساسات والقرارات التي يتخذها ،فهي ليست أسبابا آلية ومستقلة عن ذواتنا،ولا يمكن اعتبارها أشياء وإنما نابعة من مسؤوليتنا وقدرتنا وإمكانيتنا على الفعل.

2.  حرية الإرادة:

إذا كانت الحرية نابعة من قدرة الفرد على الاختيار والفعل فان الهدف الأساسي لها يتجلى أساسا في تحصيل المعرفة وبلوغ الحقيقة. يميز الفارابي بين الإرادة والاختيار:فالإرادة هي استعداد يتوفر على نزوع نحو الإحساس والتخيل،في الوقت ذاته يتميز الاختيار بالتريث والتعقل،ومجرد ما يحصل الإنسان المعقولات بتمييزه بين الخير والشر،فانه يدرك السعادة الفعلية وبالتالي يبلغ الكمال.

ولا يختلف اثنان في اعتبار سارتر فيلسوف الحرية بامتياز، وكيف لا وهو الذي  نصب نفسه عدوا لذودا للجبريين. لقد بذل هذا الفيلسوف قصارى جهده للهبوط بالإنسان إلى المستوى البيولوجي المحض. فالحرية هي نسيج الوجود الإنساني،كما أنها الشرط الأول للعقل "إن الإنسان حر،قدر الإنسان أن يكون حرا ، محكوم على الإنسان لأنه لم يخلق نفسه وهو مع ذلك حر لأنه متى ألقي به في العالم، فإنه يكون مسؤولا عن كل ما يفعله". هكذا يتحكم الإنسان –حسب سارتر- في ذاته وهويته وحياته، في ضوء ما يختاره لنفسه بإرادته ووفقا لإمكاناته.

أما ديكارت فيعتبر الإرادة أكمل وأعظم ما يمتلك الإنسان لأنها تمنحه القدرة على فعل الشيء أو الامتناع عن فعله،فهي التي تخرجه من وضعية اللامبالاة وتدفعه إلى الانخراط في مجال الفعل والمعرفة والاختيار الحر.

أما نيتشه، فقد رفض الأحكام الأخلاقية النابعة من التعاليم المسيحية، معتبرا أنها سيئة وأنها أكدت، تأكيدا زائفا على الحب والشفقة والتعاطف، وأطاحت ،في المقابل، بالمثل والقيم اليونانية القديمة التي اعتبرها أكثر صدقا وأكثر تناسبا مع الإنسان الأرقىsuperman"". فهذه الأخلاق – بالمعنى الأول – مفسدة تماما للإنسان الحديث الذي يجب أن يكون "روحا حرة" ويثبت وجوده ويعتمد على نفسه ويستجيب لإرادته. فقد اعتبر بوجه عام أن الحقيقة القصوى للعالم هي الإرادة، ومثله الأعلى الأخلاقي والاجتماعي هو " الرجل الأوربي" الجيد، الموهوب بروح حرة، والذي يتحرى الحقيقة بلا ريب، ويكشف عن الخرافات والترهات.

3.  الحرية والقانون:

إذا اعتبرنا أن الحرية مقترنة بالإرادة الحرة وبقدرة الفرد على التغلب على الاكراهات والحتميات ،فكيف يمكن الحد من الحرية المطلقة؟وما دور القانون في توفير الحرية وترشيد استعمالها؟

لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة ، في المساواة مع الآخرين ، فإن له بالطبيعة الحق، ليس في المحافظة على حريته فحسب، بل أيضا في أن يقاضي الآخرين، إن هم قاموا بخرق للقانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من عقاب. من هذا المنطلق  وُجد المجتمع السياسي، حيث تنازل كل فرد عن سلطته الطبيعية وسلمها إلى المجتمع في جميع الحالات التي لا ينكر عليه فيها حق الالتجاء إلى القانون الذي يضعه المجتمع لحمايته.

لا يعول توماس هوبز كثيرا على القانون، فهو يعتقد أن كينونة الحرية في الإنسان هي الدافع الأساسي لإعمال حريته وليس القانون، مضيفا أنه إذا لم يكن الإنسان حرا بحق وحقيقة، فليس هناك موضع للإدعاء بأن هذا الإنسان يمكنه أن يحظى بالحرية  فقط عندما يكون تحت نظام قانوني معين... إذ تبقى الحرية عند هوبز نصا يمتلك معنى واسعا، ولكنه مشروط بعدم وجود موانع لإحراز ما يرغب فيه الإنسان، فالإرادة أو الرغبة لوحدها لا تكفي لإطلاق معنى الحرية. وهوبز كغيره من رواد الفكر السياسي الغربي، يؤمن بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين، فقد رفض الحرية الزائدة  غير المقيدة، إذ أكد بأن الحرية ليست الحرية الحقيقية لأنها خارجة عن السيطرة، بالأحرى سيكون الإنسان مستعبدا من خلال سيادة حالة من الخوف المطرد المستمر. وهكذا ستتعرض  المصالح الشخصية الخاصة وحتى الحياة نفسها للرعب والذعر، من قبل الآخرين أثناء إعمالهم لحرياتهم. فالحرية المطلقة تقود إلى فقدان مطلق للحرية الحقيقية.

وفي نفس الاتجاه يذهب  مونتسكيو حيث يرى أن الحرية تنطوي على العديد من المعاني والدلالات ،وتقترن بأشكال مختلفة من الممارسات السياسية .فالحرية في نظره ليست هي الإرادة المطلقة ، وإنما الحق في فعل يخوله القانون دون المساس بحرية الآخرين.

غير أن  أردنت Arendtربطت الحرية بالحياة اليومية وبالمجال السياسي العمومي ذلك أن اعتبار الحرية حقا يشترك فيه جميع الناس، يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمان هذه الحرية، ويحددان مجال تعايش الحريات. أما الحديث عن حرية داخلية(ذاتية)، فهو حديث ملتبس وغير واضح. إن الحرية، حسب أرندت، مجالها الحقيقي والوحيد هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرها، فتلك هي إذن الحرية الحقيقية  والفعلية في اعتقادها.

خاتمة:

يتضح لنا جليا من خلال ما سبق  أن مفهوم الحرية  مفهوم ملتبس، فكلما اعتقدنا أننا أحطنا بها، انفلت منا ، فقد تعددت النظريات من فلسفة لأخرى بل من فيلسوف لآخر فهناك من ميزها عن الإرادة الفارابي، وهناك من رأى أنها تحوي زخما كبيرا من الدلالات والمعاني مونتيسكيو  ، وهناك كذلك من ربطها بالحياة اليومية ولم يعزلها عن حياتنا السياسية كما ذهبت إليه أرندت.

Publicité
Publicité
18 juin 2008

الواجب

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل

الواجب 

                    تقديم 

يعتبر مفهوم الواجب قطب رحى الفلسفة الأخلاقية ، إذ يشكل إحدى  المقولات الأساسية التي انبنى عليها التفكير الفلسفي في الشق الأخلاقي إلى جانب قيم أخرى كالسعادة و الحرية... والحديث عن الواجب باعتباره أحد هذه القيم يدفعنا للتساؤل:ما هو الواجب ؟وما هو الأساس الذي يقوم عليه؟هل يقوم على الالتزام الداخلي المؤسس على الوازع الأخلاقي؟أم أنه يقوم على سلطة الإكراه والإلزام الخارجي بغض النظر عن مصدره وطبيعته؟وإذا كان الواجب يقوم على الالتزام الداخلي ألا يقتضي ذلك ضرورة وجود وعي أخلاقي من شأنه أن يشكل الأساس الذي يقوم عليه الواجب ـ إلى جانب أسس أخرى كالقوانين الوضعية؟وعندما نتحدث عن الواجب ،ألا يحق لنا أيضا أن نتساءل :هل الواجب هو واجب تجاه الذات أم تجاه الآخرين؟

المحور الأول: الواجب و الإكراه

الحديث عن مفهوم الواجب يجرنا للتساؤل عما إذا كان إلزاما أم التزاما ؟بمعنى آخر هل ما نقدمه من واجب هو صادر عن رضى وطيب خاطر؟أم لأننا أرغمنا عليه؟

يذهب  كانط إلى اعتبار الواجب هو القيام بالفعل احتراما للقانون ـالقانون الذاتي الأخلاقي القائم على الخير الأسمى، والمؤسس على العقل والإرادة ـ وعلى هذا النحو يكون المرجع الأساسي الذي يجب أن ينطلق منه الجميع هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع. والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإرادة الخيرة الحرة ـ التي مصدرها العقل هي الأخرى ـ فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني.

اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام. لذلك وضع قوانين تتسع رقعتها لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، مركزا على العقل والإرادة  لطابعهما الكوني والمشترك.  فالعقل العملي إلى جانب الإرادة هما المشرعين لمفهوم الواجب، الذي هو إكراه، من حيث هو فعل خاضع للعقل،  وللحرية، لأن مصدره الإرادة.

في حين يرى هيجل أن الأطروحة الكانطية مجرد نزعة صورية تفتقر إلى التجلي والتجسد في الواقع. فالواجب مع هيجل ذو طابع مؤسساتي وغايته هي إقامة الدولة القوية التي يبتدئ بناء صرحها  من الفرد الذي ينصهر في الكل، بلغة صاحب الفينومنولوجيا " يجب على الفرد الذي يؤدي واجبه أن يحقق مصلحته الشخصية أو إشباعه وأن يتحول الشأن العام إلى شأن خاص بفعل وضعيته داخل الدولة. فان دل هذا فإنما يدل على أن المصلحة الخاصة تنصهر ضمن المصلحة العامة بحيث يضمن الفرد حمايتها. "فالفرد ـ يقول هيجل ـ الخاضع للواجبات سيجد في تحقيقها حمايته لشخصه ولملكيته باعتباره مواطنا، وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته الجوهرية، واعتزازا بكونه عضوا في هذا الكل؛ وبذلك يغدو الواجب مرتبطا بالدولة لا بالذات في وجودها الخالص.

وعلى النقيض من ذلك يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام   و لا عن خوف من أي جزاء أو عقاب. إنما يكون هو فعلا تأسيسيا لمسار الحياة الذي لا ينتهي، و لغايات حددتها الطبيعة الإنسانية بوصفها فاعلية مطلقة نحو الحياة. لكن الواجب الأخلاقي من وجهة النظر الطبيعية هاته التي ليس فيها شيء غيبي، يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل ، فمصدره هو الشعور الفياض "بأننا عشنا و أننا أدينا مهمتنا ...     و سوف تستمر الحياة بعدنا، من دوننا، و لكن لعل لنا بعض الفضل في هذا الاستمرار". و المنحى نفسه يتخذه نيتشه حين يؤسس الأخلاق على مبدأ الحياة بوصفها اندفاع خلاق محض. إذ الفعل الأخلاقي عند نيتشه ما يخدم الحياة ويزيد من قوتها و ليس ما يضعف الحياة و يزيد من محدوديتها. هكذا هو الخير و الشر عند نيتشه.

   

   المحور الثاني: الوعي الأخلاقي

يعتبر مفهوم الوعي الأخلاقي مفهوما مركزيا في الفلسفات الأخلاقية .فما هو الأساس الذي يقوم عليه هذا الوعي؟

يرى روسو أن الوعي الأخلاقي إحساس داخلي موطنه وجداننا فنحن نحسه قبل معرفته ،وهو الذي يساعدنا على التمييز بين الخير والشر ،والحسن والقبيح،وهي إحساسات طبيعية وفطرية يسعى الإنسان من خلالها إلى تفادي ما يلحق الأذى به وبالآخرين،ويميل إلى ما يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع.الأمر الذي يقوي لديه الوعي الأخلاقي فيجعله متميز عن باقي الكائنات الحيوانية الأخرى.

أما هيجل فانع يعتبر الوعي الأخلاقي هو الربط بين الواجب والمبادئ الأخلاقية.وفي هذا الإطار يميز هيجل بين الواجب بمعناه القانوني والواجب بمعناه الأخلاقي ،فإذا كان النوع الأول من الواجب يعتبر نموذجيا،فان النوع الثاني يفتقر إلى الطابع النموذجي،وذلك لقيامه على الإرادة الذاتية.لكن ،سرعان ما سيعكس هيجل هذا الحكم ،عندما سيعتبر الواجب القانوني واجبا يفتقر إلى الاستعداد الفكري،على عكس الواجب الأخلاقي الذي يستدعي ذلك الاستعداد،ويقتضي أن يكون مطابقا للحق في ذاته.وعلى هذا النحو يصبح للواجب الأخلاقي قيمة باعتباره وعيا ذاتيا وليس إلزاما خارجيا.

وفي مقابل هذين التصورين ،يذهب نيتشه إلى رفض كل التزام أخلاقي ، سواء من الناحية المبدئية أو من ناحية ادعائنا القدرة على تعميمه على جميع الذوات.إن اعتبار الالتزام الأخلاقي أساسيا للفعل الأخلاقي ،هو في نظره هو جهل بالذات وسوء فهم لها، وخصوصا عندما تدعي تلك الذات إمكانية تعميمه على كل الذوات الأخرى. وكبديل لهذا الالتزام، يشدد نيتشه على الأنانية الذاتية، بما تعنيه من هناء وخنوع وتواضع، باعتبارها أساسا للسلوك الإنساني عوض ذلك الالتزام الأخلاقي الزائف.

   المحور الثالث: الواجب و المجتمع

ماهي الصلة التي يمكن إقامتها بين الواجب والمجتمع ؟ وكيف تتحدد واجبات الفرد تجاه المجتمع والآخرين؟

يرى دوركهايم بأن المجتمع يشكل سلطة معنوية تتحكم في وجدان الأفراد، و يكون نظرتهم لمختلف أنماط السلوك داخله، و من ثمة فالمجتمع يمارس نوعا من القهر و الجبر على الأفراد إذ هو الذي يرسم لهم معالم الامتثال للواجب الأخلاقي و النظم الأخلاقية عموما، و لما كانت الحال كذلك لأن الأفراد يُسلب منهم الوعي بالفعل الأخلاقي، لأنه لم يكن نابعا من إرادة حرة و واعية و إنما عن ضمير و وعي جمعيين هما المتحكمان في سلوكيات الأفراد.   و بالتالي فالمجتمع سلطة إلزامية "و التي يجب أن نخضع لها لأنها تحكمنا و تربطنا بغايات تتجاوزنا.

و من ثمة فالمجتمع يتعالى على الإرادات الفردية، و يفرض السلوكيات التي يجب أن يكون بما فيها السلوكيات الأخلاقية لأن المجتمع "قوة أخلاقية كبيرة. فيحقق الأفراد غاية المجتمع لا غاية ذواتهم و الإنصات لصوته الآمر لأن "تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة و ضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع و لا يعبر إلا عنه.

أما ماكس فيبر فينصرف في حديثه عن الواجب الأخلاقي و الأخلاق عموما إلى القول بأن الأخلاق في مجملها تنقسم إلى نمطين اثنين: نمط أول موسوم بأخلاق الاقتناع ذات المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيها الفرد غير متحمل لأية مسؤولية، و إنما هي مركونة إلى المؤثرات و العوامل الخارجية التي لا يتدخل فيها الفرد، و إنما تطرح فيه بتأثير الأبعاد الدينية، بما هي صوت متعال يصدر أوامره، حيث إن " أخلاقية الاقتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل، بل إلى العالم المحيط و إلى حماقة البشر و إلى مشيئة الله الذي خلق الناس على بهذه الصورة.

و نمط ثان من الأخلاق هو ما أطلق عليه أخلاق المسؤولية، التي تصدر من الذات الفردية و تتأسس على الوعي الفردي الحر، إذ "نحن مسئولون عن النتائج التي تمكن توقعها لأفعالنا"، و لا ترجع المسؤولية إلى بعد خارجي قسري، لا علاقة لهذه الأخلاق بالقدر أو بالحظ.

لكن جون راولز صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر، فيذهب الى أن الواجب الأخلاقي باعتباره نمطا من التضامن الذي يبنيه و يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، حتى يستطيع الجيل الأول  أن يوفر كل إمكانيات العيش الرغيد و المريح. فكل جيل يتحمل على كاهله مسؤولية  تأمين المستقبل الذي لا يجعل الجيل اللاحق في حالة من الضياع و التشتت.

و كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال ، و هذا التضامن هو خدمة للمجتمع عموما و تقسيم الثروات بشكل عادل.

خاتمة

انطلاقا مما سبق التطرق إليه من مواقف نجد أن الواجب الأخلاقي مفهوم يتراوح بين عدة أنظار و مواقف متباينة لا تتعارض أكثر مما تكون صورة بانورامية حوله، فمنهم من جعل من الواجب إرادة حرة و مطلقة في مقابل رأي معاكس إذ يرى النقيض، حيث جعل من الواجب الأخلاقي جزءا لا يجتزئ عن  سلطة من السلط  إما  نفسية أو دينية أو غير ذلك...

18 juin 2008

درس الحق

درس الحق

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل

مقدمة:

يعتبر مفهوم الحق من المفاهيم الأساسية التي تداولها الفلاسفة من القديم، لارتباط إشكاليته بالهموم الإنسانية، ولمواكبتها للحياة السوسيو-أخلاقية.

المحور الأول: الحق الطبيعي والحق الوضعي.

شكل الحق عبر مختلف العصور مبدأ سعى إليه الإنسان فصانه واحتفظ به لمدى أهميته وقيمته الاتيقيتين. لكن على أي أساس يقوم هذا الحق؟فهل يقوم على أساس طبيعي محدد سلفا أم على أساس قانوني ووضعي ؟

توماس هوبز، يذهب الى القول أن الإنسان أناني بطبعه، ويتلخص الحق الطبيعي في "أن لكل الناس الحق على كل الأشياء، بل إن لبعضهم الحق على أجسام البعض الآخر". إنها إذن "حرب الكل ضد الكل" ؛ إنها الحرية المطلقة في أن يفعل الإنسان ما شاء وأنى شاء. لكن ما دام "لن يتمكن أحد مهما بلغ من القوة والحكمة أن يبلغ حدود الحياة التي تسمح بها الطبيعة"؛ فيترتب عن ذلك تأسيس قانون يقوم على الحق الطبيعي في الحياة والدفاع عن النفس. وهو قانون يتنازل بموجبه الأفراد عن حقهم الطبيعي في الصراع من أجل حق طبيعي أسمى هو "حب البقاء"؛ فيضعون السلطة في يد شخص واحد مستبد.

في حين يتبنى سبينوزا أطروحة الحق الطبيعي، إذ يؤكد أن هذا الحق يتلخص في أن "لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه"، وليس هناك فرق بين الإنسان والكائنات الأخرى. فلديه كل الحق في أن يتصرف وفق ما يشتهيه وما تمليه عليه طبيعته. فمن هو بطبعه ميال إلى "منطق الشهوة" يتصرف وفق هذا المنطق (الغاية تبرر الوسيلة)؛ ومن ينزع بطبعه نحو "منطق العقل"، فإنه يتصرف وفق هذا النزوع. لكن، لكي يعيش الناس في وفاق وأمان "كان لزاما عليهم أن يسعوا إلى التوحد في نظام واحد" ؛ وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وبالتالي كبح جماح الشهوة. وهذا أمر لا يتناقض مع الحق الطبيعي باعتبار العقل جزءا منه.

إلا أن جان جاك روسو يتناقض مع أطروحة الحق الطبيعي القائم على القوة . فالإنسان خير بطبعه، والقوة قاعدة فيزيائية لا يمكن أن يقوم عليها الحق. وبما أن الإنسان كائن عاقل لابد أن يتنازل عن الأنانية التي فرضها عليه جشعه وحبه للمال، وتفرده بالسلطة، وبالتالي قيام المدنية على أسس خاطئة. فالمدنية لا تقوم إلا على صوت الواجب، والحق يجب أن يعوض الشهوة والاندفاعات الجسدية. إن حالة التمدن مكسب لأنها تمثل "الحرية الأخلاقية التي تمكن وحدها الإنسان من أن يكون سيد نفسه بالفعل". إن الشهوة استعباد والامتثال إلى القوانين التي شرعها الإنسان بنفسه حرية. ويقصد روسو ضرورة إقامة المجتمع على أساس "تعاقد اجتماعي" في إطار سلطة ديمقراطية تعكس إرادة الجميع.

المحور الثاني:العدالة كأساس للحق.

سواء قام الحق على أساس القانون الطبيعي أو على أساس الوضعي،فان السؤال الذي يطرح نفسه:هو كيف ينبغي أن يؤجر هذا الحق؟وما هي الشروط التي يجب توفرها لتحقيق العدالة؟

تتحدد العدالة حسب أرسطو، بالتقابل مع الظلم.فالسلوك العادل،هو السلوك المشروع الموافق للقوانين والذي يكفل لكل ذي حق حقه تبعا لتناسب رياضي في حين أن الفعل الجائر هو الفعل اللامشروع المنافي للمساواة والذي يقوم على عدم التناسب وعدم التوسط بين الإفراط والتفريط.

أما أفلاطون فيرى أن تحقيق العدالة داخل المدينة قمين بقيام كل فرد بالمهمة التي وجد من أجلها على أحسن وجه،وبذلك يتحقق التناغم والانسجام بين قوى مختلفة ومتعارضة،عندها يكون هذا الفرد قد ساهم في كمال المدينة وتحقيق الفضائل المتمثلة في الحكمة والاعتدال والشجاعة.

لكن ألان فله رأي آخر، إذ يعتبر أن المعيار الأساسي للحق هو الاعتراف به والمصادقة عليه،أما الأشكال الأخرى من الممارسات اليومية،فلا تدخل في إطار الحق،لأنه لا يشمل الوقائع والأحداث التي تنبع من واقع الناس وحياتهم اليومية.

المحور الثالث:العدالة بين المساواة والإنصاف.

خاتمة:

كاستنتاج عام، يتبين أن الحق مفهوم فلسفي كان أساس نقاش متواصل بين الفلاسفة والمفكرين منذ القديم، لما له من ارتباط بإنسانية الإنسان، وتنظيم حياته الاجتماعية، وتحقيق كينونته. وقد تأرجح الفلاسفة بين اعتباره حقا طبيعيا أو حقا وضعيا ؛ دون أن ننسى هناك أطروحات لا ترى تناقضا بين الطبيعي والوضعي، باعتبار الوضعي توجيها للطبيعي... كما أن الاختلاف الحاصل حول القانون يمكن حله على الشكل التالي: فكلما كان القانون خدوما للصالح العام؛ كلما كان حقا وجب على الناس الالتزام به. علما بأن الحق ليس مطلقا بل هو نسبي، ومن هذا المنطلق يجب العمل على تحيين القوانين حتى تكون مواكبة للعصر.

إذا كانت العدالة فضيلة أخلاقية، تتحدد قيمتها في تطبيقاتها العملية، وإلا ظلت مجرد حلم بعيد المنال.لذا وجب توفر شرطي المساواة والإنصاف، حتى تنتقل من مستوى ما ينبغي أن يكون –أي فكرة- إلى مستوى ما هو كائن.فهل بإمكان العدالة إنصاف جميع الناس؟

حسب أفلاطون فان العدالة تتحدد باعتبارها فضيلة تقوم في انسجام القوى المتعارضة وتناسبها. فالعدالة في رأيه تتحقق على مستوى النفس حين تنسجم قواها الشهوانية والغضبية والعاقلة،كما تتحقق على صعيد المجتمع حين يؤدي كل فرد الوظيفة التي وهبته الطبيعة دون تدخل في عمل الآخرين.

في حين تقترن العدالة عند أرسطو بالعدالة السياسية التي تفترض القيام بالسلوك المنصف والخاضع للقوانين التي لها دور تنظيم الحياة العمومية وضمان تحقيق العدالة السياسية.فالعدالة تدرك بنقيضها،لأن التصرف اللاعادل يتحقق عندما لا يأخذ الفرد نصيبه من الخيرات ومن ثروات البلاد،لذلك كان ضروريا وجود قانون يلزم الحاكم لكي يحكم بالعدل والمساواة.فالعدالة إذن لابد أن تقترن بالمساواة التي تضمن الكرامة للجميع.

غير أن كلاستر يرى أن تحقيق شرطي الإنصاف والعدالة،أو افتراض وجود حاكم عادل غير كاف بل يجب إضافة إلى ذلك فرض العدالة بقوة القانون لتفادي العنف والفوضى والاستئثار بالحكم.ودليله على ذلك افتقار السلطة لقوة القانون عندما تكون معنوية أو رمزية،مما يتسبب في إمكانية أفولها.الأمر الذي يستدعي ضرورة قيام السلطة على أساس القانون وليس على أساس شخصية رمزية كما هو متداول في أعراف وتقاليد القبيلة.

18 juin 2008

الدولة

    

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل         

الدولة

مقدمة:

يتربع مفهوم الدولة عرش الفلسفة السياسية،لما يحمله من أهمية قصوى سواء اعتبرناه كيانا بشريا ذو خصائص تاريخية،جغرافية،لغوية،أو ثقافية مشتركة؛أو مجموعة من الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع.فان دل الاعتبار الثاني على شيء فإنما يدل على كون الدولة سيف على رقاب المواطنين وعلى هؤلاء الآخرين الامتثال والانصياع.

لكن من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟أتستمدها من الحقن أم من القوة؟ ثم كيف يكون وجود دولة ما مشروعا ؟

المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها.

يعتبر ماكس فيبر أن السياسة هي مجال تدبير الشأن العام وتسييره. وما الدولة إلا تعبيرا عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع،وهذه الهيمنة تقوم على المشروعية التي تتحدد في ثلاث أسس تشكل أساس الأشكال المختلفة للدولة.وهي سلطة الأمس الأزلي المتجذرة من سلطة العادات والتقاليد،ثم السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما،وأخيرا السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية،بفضل الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع وكفاءة ايجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية.

يرى هوبز أن الدولة تنشأ ضمن تعاقد إرادي وميثاق حر بين سائر البشر ،حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة –حرب الكل ضد الكل-إلى حالة المدنية.وبذلك ستكون غاية الدولة هي تحقيق الأمن والسلم في المجتمع.

أما سبينوزا فيرى أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية للأفراد والاعتراف بهم كذوات مسؤولة وعاقلة وقادرة على التفكير وبالتالي تمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا.

لكن هيجل فيرى أن مهمة الدولة هي أبعد من ذلك وأعمق وأسمى. فالفرد في رأيه يخضع للدولة وينصاع لقوانينها لأنها تجسد فعليا الإرادة العقلانية العامة، والوعي الجماعي القائم على الأخلاق الكونية، لأنها تدفع بالمرء للتخلص من أنانيته بحيث ينخرط ضمن الحياة الأخلاقية. فالدولة في نظره، هي أصدق تعبير عن سمو الفرد ورقيه إلى الكونية.فهي بذلك تشكل روح العالم.

المحور الثاني:طبيعة السلطة السياسية.

إن تباين المواقف الفلسفية حول مشروعية الدولة تتمخض منه إشكالات عدة حول طبيعة السلطة السياسية.فهل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة قدرة مشتتة في كل المجتمع؟ وهل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه،أم أنها محايثة له؟

في هذا الخضم نجد دو توكفيل الذي يرى أن الصفات الجديدة التي أصبحت تتحلى بها الدولة،في ممارستها السياسية،هي تلبية متع الأفراد ورغباتهم وتحقيق حاجياتهم اليومية.لكن هذه الامتيازات يرى أنها كانت على حساب إقصائهم من الحياة السياسية ،الأمر الذي أدى إلى تقليص الحريات وتدني الوعي السياسي لديهم ،وبالتالي تحول الأفراد إلى قطيع تابع وفاقد للإرادة.

أما مونتسكيو فقد عالج في كتابه "روح القوانين" طبيعة السلط في الدولة،إذ يصادر على ضرورة الفصل بين السلط داخل الدولة،حيث ينبغي في نظره استقلال السلطة التشريعية عن التنفيذية عن القضائية والفصل بينهما.والهدف من هذا الفصل والتقسيم هو ضمان الحرية في كنف الدولة.

وفي المقابل التصور الذي يحصر السلطة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة،سيبلور ميشيل فوكو تصورا أصيلا للسلطة.إذ يرى أنها ليست متعالية عن المجال الذي تمارس فيه،بل هي محايثة له.إنها الاسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي.

المحور الثالث:الدولة بين الحق والعنف.

في هذا الصدد نجد هنري لوفيفر الذي يعتبر الوضع المفارق للدولة -وطبيعة الممارسة السياسية المتأرجحة بين الوضوح تارة وبين الغموض تارة أخرى- أصبح موضوعا للمعرفة والتفكير،خصوصا في قدرة هذه الأنظمة على قيادة الأفراد والجماعات إلى المجهول والى أوضاع غير محسوبة العواقب تصل إلى مستوى الهيمنة والدمار،وهذا ما يتبين من خلال الأنظمة الديكتاتورية وأنظمة الحزب الواحد التي صادرت الحريات ومارست كل أشكال العنف.

في حين يرتئي مكيافيللي أن الممارسة السياسية هي فن حطم البشر،إذ ستحول إلى تقنية ومهارة بل إلى خصال على الأمير أن يمتلكها إن هو أراد الحفاظ على قوة الدولة وضمان استمراريتها،ومن أجل التحكم في زمام السلطة وإخضاع الشعب بقوة السيف والإكراه.

لكن سبينوزا يقف موقفا معارضا،إذ يؤكد أن مهمة الدولة لا تتمثل في تخويف الناس وترهيبهم،ولا في استعمال الدهاء السياسي والحيل لاستمالة من ينبغي استمالتهم ومنحهم الامتيازات والحوافز،ولكن مهمتها تكمن في نشر الفضيلة وجعل الناس يمارسون أعمالهم في اقتناع وطواعية.الأمر الذي لا يتأتى إلا بتوفير شروط من قبيل الحق والمساواة والحرية.

خاتمة:

يتضح لنا جليا أن الفلسفة الحديثة نزعت عن الدولة الكثير من الأقنعة والتصورات الأخلاقية ونظرت إليها كآلة لممارسة الحكم.حيث بينت أن هناك أنواع متعددة من المشروعية منها المرتبطة بالحكم المعتمد على التراث والمرتبطة بشخص ملهم أو المشروعية المؤسسية المرتبطة بالتصور التعاقدي.

18 juin 2008

النظرية والتجربة

      النظرية والتجربة          

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل

             

مقدمة:

يندرج مفهوما النظرية والتجربة ضمن فلسفة العلوم التي تؤسس بحق لأجرأ نظريات المعرفة العلمية والتي شكلت منذ ظهورها مطلع القرن الفارط لب الأبحاث العلمية التي ساهمت في تطوير العلوم المعاصرة والتي كانت سببا في رفاهة الانسان المعاصر. 

1.المحور الأول:التجربة والتجريب.

مما لا مناص فيه، تعتبر المعرفة العلمية نموذجا للموضوعية والدقة في أبحاثها ونتائجها، لكن ما سبب قوتها ومصداقيتها؟ثم كيف تبني موضوعها:هل بالاعتماد على الوقائع الحسية أم باللجوء إلى الفكر العقلاني؟   

يرى كلود برنار أن المنهج التجريبي الذي ينطلق من التجربة مرورا بالمقارنة وانتهاء بالحكم يشكل جوهر المعرفة العلمية لكونه هو المصدر الوحيد للمعرفة الإنسانية،ولاسيما في إدراك العلاقات بين الظواهر،وفي اعتماد الاستدلال التجريبي لاستنباط الأحكام والقوانين من الظواهر الطبيعية بغية التحكم فيها.

في حين دافيد هيوم لا يرى ضرورة ابتداء المعرفة بالتجربة وحدها بل عليها أن تقوم كليا على التجربة. فما يمكن ملاحظته هي الظواهر التي لايمكن تفسيرها ، إذ لا  شيء يمكن معرفته قبليا دونما أي تجربة.

أما رونيه طوم فيعتقد أن الواقعة التجريبية لا يمكن أن تكون علمية إلاإذا استوفت شرطين أساسين :
قابلية إعادة صنعها في مجالات زمكانية مختلفة.

إثارتها اهتماما تطبيقيا يتمثل في الاستجابة لحاجات بشرية، واهتماما نظريا يجعل البحث يندرج ضمن إشكالية علمية محققة.

وفي هذه الحالة يكون الهدف من التجريب هو  التحقق من مدى نجاعة فرضية ما .لكن من أين تأتي الفرضية ؟

لا وجود لفرضية بدون وجود شكل من أشكال "النظرية" ...ويتعلق الأمربالعلاقات السببية التي تربط السبب بالنتيجة. فيكون دور التجربة إما إثباتها وإما تكذيبها..غير أن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف أسباب ظاهرة ما . وهنا يأتي دور الخيال الذهني ليطلق العنان للإبداع الذي عجز عنه الإحساس .

المحور الثاني:العقلانية العلمية.

في الوقت الذي يشكل فيه العقل مصدرا لبناء النظرية يؤسس الواقع موضوعها لكن ما الأساس الذي تبنى عليه  العقلانية العلمية ؟ هل العقل أم التجربة، أم هما معا؟

يرى ديكارت ضرورة بناء المعرفة العلمية اعتمادا على العقل وحده دونما الاستعانة بالتجارب والمعارف النابعة من الحواس لأن له جميع الخاصيات والمؤهلات التي تتيح له إنتاج الحقيقة .فالعقل  يعتمد على المبادئ التي تساعده على بلوغ أهدافه ببداهة ووضوح تامتين.

لكن كانط له موقف يجمع فيه بين قدرات العقل ومعطيات التجربة،بمعنى التكامل بين المعرفة العقلية القبلية والمعرفة التجريبية البعدية.فالتجربة ليست إلا مجرد وسيلة يتم بموجبها الحكم على المبادئ العقلية القبلية لان بلوغ الأحكام الكونية رهين بالتفكير العقلي المنقح بالتجربة.

ويذهب ألبير إنشتاين إلى أن للعقل الدور الايجابي  في المعرفة العلمية .فالعقل هو الذي يمنح النسق الرياضي -الذي أصبح في ظل الفيزياء المعاصرة المحدد الرئيسي - بنيته. أما التجربة فينبغي أن تتناسب مع نتائج النظرية تناسبا تاما. لأن البناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المفاهيم و القوانين و التي تمنحنا مفتاح فهم ظواهرالطبيعة التي يرى اينشتاين أنها تتحدث لغة الأرقام.

في حين يعتبر بوانكاري أن العلاقة بين الرياضي والفيزيائي يجب أن تقوم على أساس التعاون والاستفادة المتبادلة،مادام أنهما يسعيان لتحقيق نفس الهدف.فالعلم يرى أنه تطور عندما اعتمد الفيزيائي على اللغة الرياضية من أجل صياغة قوانينه،الأمر الذي تسبب في تقليص الأهمية التي احتكرتها التجربة فأضحت عقلانية الرياضيات حاضرة بقوة في النظرية الفيزيائية.

المحور الثالث:معايير علمية النظريات العلمية.

من المصادر عنه أن المعرفة العلمية حققت نجاحا باهرا في كل مجالات اشتغالها، والفضل في ذلك يرجع إلى زخم كبير من الأسباب التي جعلتها تحظى بالدقة والموضوعية والصرامة.لكن ألا يحق لنا أن نتساءل عن ما هي معايير علمية المعرفة العلمية؟وما هي مقاييس صلاحيتها ؟

يرى برتراند راسل أن المعرفة العلمية التي يحصلها الإنسان على وجهين: معرفة بالحقائق الخاصة ، ومعرفة بالحقائق العلمية.فالحقائق الخاصة هي وقائع تتضمن استنتاجات تتباين درجة صحتها وصلاحيتها ، في حين تتخذ الحقائق العلمية صورة استنتاجات يقينية .إلا أن هذه الحقائق العلمية قد تقصر على استيفاء شرط العلمية حينما لا تفي بمعايير منهجية ثلاثة تتلخص فيما يلي:

1-    الشك في صحة الاستقراء

2-    صعوبة استنتاج ما لا يقع في تجربتنا، قياسا على ما يقع فيها.

3-    افتراض إمكانية استنتاج ما لا يدخل في تجربتنا يكون ذا طابع مجرد لذلك يعطي قدرا من المعلومات أقل مما يبدو أنه معطيه لو استخدمت اللغة العادية.

أما بوانكاري فيذهب إلى أن معيار الموضوعية في العلم فيتحدد في العلاقة الموجودة بين الظواهر ،لهذا لم يعد ينظر إليها بشكل معزول مما أتاح للباحثين إمكانية تحقيق المسافة العلمية الضرورية بينهم وبين الموضوع المدروس.والخاصية التي تميز النظريات العلمية ، هي قابليتها للتطور والمراجعة والتغيير.فالنظرية قد تصبح يوما ما متجاوزة لتفسح المجال لأخرى لتحل محلها.وتتخذ لاحقا النظرية حلة جديدة.

غير أن موران يوجه تحذيرا من خطورة تطور العلم لأنه وان حرر الإنسان من عبودية الفكر الخرافي لكنه زج به في عبودية جديدة، ألا وهي حياة الخراب والدمار.ومن هنا كان لزاما أن تعي النظرية العلمية نفسها وأن تقتنع بحتمية الانفتاح على نظريات جديدة وتخضع لمنطق التحولات والقطائع حتى تتمكن من تصحيح أخطائها.

18 juin 2008

الحقيقة

http://www.achamel.info/Lyceens/niveau.php: منقول للإستفادة من موقع الشامل

الحقيقة

تعتبر إشكالية الفلسفة مفتاح جميع الإشكاليات الفلسفية.فكيف ما كان نوع الإشكال، ونوع الموضوع التي تبحث فيه،يظل السؤال الأساسي هو:هل باستطاعتنا الحصول على معرفة حقيقية؟و حتى إذا ما أمكن ذلك، فما عساها أن تكون طبيعة هذه المعرفة:هل ترقى لأن تكون معرفة كاملة ومطلقة،أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد معرفة ناقصة ونسبية؟وفي سائر الأحوال كيف يتأتى الوصول إلى هذه المعرفة؟وماهي أفضل السبل المؤدية إليها:هل هي العقل وحده معتمدا على مبادئه وأفكاره القبلية،يستنبط منها،ويتقدم من المعلوم إلى المجهول،أم الحس وما يقوم عليه من معطيات وتجارب،أم الحدس وما يفرضه من تعاطف وذوق ومشاركة وجدانية؟

المحور الأول:الحقيقة و الرأي.

نتساءل في هذا المحور عن ماهية الحقيقة.هل هي معطى جاهز لا يحتاج إلى تحقيق أو تنقيب ، أم أنها بناء يتأسس على الانفتاح على استكشاف الواقع دون ما حاجة إلى أفكار قبلية جاهزة؟

في هذا الصدد نجد ديكارت يرفض تأسيس الحقيقة على الحواس لأن الحواس في نظره تخدعنا و تقدم لنا حقائق ظنية ينبغي تلافيها رغم أنه لا ينكر وجود العالم الحسي إلا أنه لا يعتبره منطلقا مضمونا لاكتشاف الحقيقة ، لأنها في نظره من شأن العقل وحده وهو ما يقبله العقل تلقائيا دونما حاجة إلى برهان فالحقيقة في الأصل ليست واقعا بل أفكارا في العقل ولما كانت الحدود بين الصادق والكاذب من الأفكار ليست بينة منذ البداية فإن الطريق إلى الحقيقة في نظر ديكارت هو الشك المنهجي ، والشك لا يتطلب خروج العقل من ذاته إلى العالم الخارجي بل يشترط فقط العودة إلى الذات لإعادة النظر -مسح الطاولة- في كل ما لديه من أفكار بواسطة الشك المنهجي .و عملية الشك تنتهي إلى أفكار لا تقبل الشك ألا وهي الأفكار البسيطة الفطرية في العقل ( البديهيات : الهوية عدم التناقض الثالث المرفوع ..) وهي أساس اليقين فليس تمة حقيقة إلا إذا قامت على هذه المبادئ والتي تدرك بواسطة الحدس العقلي ، وانطلاقا منها يستنبط العقل بواسطة الاستدلال كل الحقائق المركبة والممكنة يظهر أن العقل هو مبدأ ومنتهى الحقيقة . لكن ما علاقة الحقائق المدركة بالعقل بالواقع الموضوعي ؟ أمام معقولية الحقيقة (الخاصية الفكرية و المتمثلة في البداهة و الوضوح العقليين ) فإن مطابقتها للواقع يدفع إلى طرح السؤال أي واقع تكون الحقيقة مطابقة له ؟ أهو المشكوك فيه (المادي) أم الخفي و كيف يطابق الفكر واقعا خفيا ؟ وكيف يمكن التحقق من هذه المطابقة ؟ يرى ديكارت انطلاقا من فكرة الضمان الإلهي أنها علاقة تطابق فما دام العقل بفطريته والواقع بخصائصه وقوانينه الموضوعية يصدران معا عن أصل واحد (هو الله ) فإن وحدة مصدرهما هي ضامن تطابقهما وبذلك اعتقد ديكارت أنه قد حصن الحقيقة داخل قلعة اليقين التام (العقل) و لم يعد هناك مجال للشك ما دام قد قطع الطريق نهائيا عن الحواس.و لكن هل تكون الحقيقة عقلية بحتة و كيف يمكن للعقل أن يدرك حقيقة الواقع دون الاتصال به مباشرة ، إنه جانب غير معقول في عقلانية ديكارت سيحاول كانط معالجته
لكن كانط سيعتبر أن الحقيقة ليست لا ذاتية ولا موضوعية وليست معطاة أو جاهزة خارج الفكر والواقع ولا داخله بل إنها منتوج (بناء) إنها حاصل تفاعل الفكر والواقع , يبنيهما العقل انطلاقا من معطيات التجربة الحسية مادة المعرفة التي يضفي عليها الفهم الصور والأشكال .فالحقيقة تستلزم الـــمادة والصورة ، الواقع والفكر معا . وعلى هذا المضي أضحت الحقيقة متعددة ونسبية وغير معطاة بل لم تعد مطابقة الفكر للواقع بل انتظام معطيات الواقع في أطر أو مقولات العقل .
أما هايدجر فيذهب إلى أن الحقيقة تتخذ طعما آخر ومفهوما جديدا إنها في نظره توجد في الوجود ما دام هذا الوجود لا يتمكن من التعبير عن ذاته و الكشف عن حقيقته فإنه يحتاج إلى من يقوم بذلك والإنسان هو الكائن الوحيد الذي تتجلى فيه حقيقة الوجود ، لا لأنه يفكر وإنما لأنه ينطق و يتكلم ويعبر . فالإنسان في نظره نور الحقيقة في ظلمات الكينونة ، فالحقيقة ليست فكرا ينضاف إلى الوجود من الخارج كما ادعى ديكارت و كانط، و إنما هي توجد في صميم الوجود نفسه و ليس الإنسان سوى لسان حال الوجود أو كلمة الوجود المنطوقة ، الأمر الذي يدل على أن الحقيقة هي فكر يطابق لغة معينة تعبر عن وجود معين أي كشف للكائن وحريته، أي استعداد الفكر للانفتاح على الكائن المنكشف له ، و استقباله إذا ما تحقق التوافق و الانسجام.

المحور الثاني:معايير الحقيقة.

إذا كان هدف الحقيقة هو معانقة اليقين في إنتاجها لمختلف أصناف المعارف وفي مختلف الوسائل للإقناع وبسط سلطاتها المعرفية، فإننا نكون أمام تعدد معايير الحقيقة.فما هو معيار الحقيقة؟هل هو معيار منطقي أم مادي؟
يرى ديكارت أننا لا نخطئ إلا حينما نحكم على شيء لا تتوفر لدينا معرفة دقيقة عنه ويعتبر أن الحقيقة بسيطة ومتجانسة خالصة وبالتالي متميزة وواضحة بذاتها . فالحقيقي بديهي بالنسبة للعقل ولا يحتاج إلى دليل ومتميز عما ليس حقيقيا ، إنه قائم بذاته كالنور يعرف بذاته دونما حاجة إلى سند كما قال اسبينوزا ، واللا حقيقي كالظلام يوجد خارج النور .فالفكرة الصحيحة (الكل أكبر من الجزء) صادقة دوما ونقيضها خاطئ دوما .
في حين نجد هيجل الذي بين  عن طريق التحليل الجدلي أن كل شيء يحمل في جوفه ضده ويوجد بفضله و ينعدم بانعدامه ، ومن هذا المنظور الجدلي فالخطأ هو الضد الجدلي للحقيقة أي أساسها و مكونها.

أما باشلار فيعتبر أن الحقيقة العلمية خطأ تم تصحيحه وأن كل معرفة علمية تحمل في ذاتها عوائق ابستمولوجية تؤدي إلى الخطأ وأول هذه العوائق الظن أو بادئ الرأي وهذا يعني أن الحقيقة لا تولد دفعة واحدة فكل الاجتهادات الإنسانية الأولى عبارة عن خطأ واكتشاف الخطأ وتجاوزه هو الخطوة الأولى نحو الحقيقة.

هكذا لم يعد ممكنا في المنظور المعاصر تصور الخطاب العلمي حاملا لحقائق صافية مطلقة يقول إدجار موران الذي يثبت أن فكرة الحقيقة هي المنبع الأكبر للخطأ. والخطأ الأساسي يقوم في التملك الوحيد لجانب الحقيقة. إن النظريات العلمية مثلها مثل جبل الجليد فيها جزء ضخم منغمر ليس علميا و لكنه ضروري للتطور العلمي.

وعلى النقيض من كل الأطاريح السابقة فان نيتشه يرى أن الحقائق مجرد أوهام نسينا أنها أوهام وذلك بسبب نسيان منشأ اللغة وعملها لأن اللغة ما هي إلا استعارات وتشبيهات زينت بالصورة الشعرية والبلاغية مما يجعل من الصعب التوصل إلى الحقائق بواسطة الكلمات أو إلى تعبير مطابق للواقع و للكيانات الأصلية للأشياء بالإضافة إلى نسيان الرغبات والأهواء والغرائز التي تحول دون السلوك الإنساني وتدفعه إلى الكذب والأخطاء ، بدل الكشف والإظهار وبذلك يصبح الطريق إلى الحقيقة ليس هو العقل أو اللغة بل النسيان و اللاشعور.

المحور الثالث: الحقيقة كقيمة:

إن اعتقاد الإنسان في الحقائق وسعيه المتعطش وراءها أمر ضروري لاستمرار الحياة الاجتماعية والأخلاقية كما تبين في المحور السابق ولعل هذا ما يطرح مسألة الحقيقة كقيمة. فمن أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ ما الذي يجعل الحقيقة مرغوبا فيها وغاية وهدفا للجهد الإنساني؟

إن كانط يربط بين الحقيقة و أبعاد عملية وسلوكية دون أن يكتفي باستثمارها المصطلحي فقط في مسار اشتغاله المعرفي ، ويحيل على السؤال الذي ينبغي أن تسترد به كل مبادرة سلوك  (ماذا لو فعل الناس جميعهم هذا السلوك؟) .من هنا يظهر البعد الغائي و الوظيفي الذي يتناول منه كانط مفهوم الحقيقة ، وكذا باعتبارها  ارتباطا باليومي و القانوني من أجل تحقيق السلام الدائم .

أما كيركجارد فيرى أن الحقيقة لها قيمة أخلاقية إنها فضيلة على الطريقة السقراطية قبل أن تكون مجرد معرفة ، فهي لا تنكشف في العقل ولا تدرك في الاستدلال وإنما تولد في الحياة وتعاش بالمعاناة .

الحقيقة ليست شيء ثابت إنها حوار و اختلاف وهي ذاتية لأنها لا تتكرر في كل واحد منا، إنها أخلاق وفضيلة وليست قضية معرفية وغاية مذهبية بعيدة عن شروط ووجود الإنسان .

غير أن وليام جيمس فان  فلسفته كانت ثورة على المطلق  والتأملي و المجرد . فقيمة الحقيقة هي قدرتها على تحقيق  نتائج و تأثيرات في الواقع ، و بالنسبة لجيمس قد تكون تلك نتائج مباشرة كما هو في الواقع المادي ، وقد تكون غير مباشرة بمعنى غير فعالة بشكل مباشر كحديث وليام جيمس عن تأثير الإيمان بالله  في الفرد بحيث ينحت داخله مجموعة من القيم التي باكتسابها تسود قيم من قبيل الخير و الفضيلة .

لكن نيتشه له رأي مخالف ففي تصوره ، مصدر الحقيقة هو ذلك العود الأبدي للعصر الهيليني التراجيدي ، حيث الإقبال على الحياة بآلامها و آمالها ، وحيث تسود الطقوس الديونيزوسية  ملغية الوجه الأبولوني للحياة ، إنها تأسس للإنسان الأعلى ، ورغبة في التفوق و إرادة القوة ...

Publicité
Publicité
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >>
Publicité
الموقع غير الرسمي لثانوية عبد الرحمان زكي التأهيلية
Derniers commentaires
Archives
Newsletter
الموقع غير الرسمي لثانوية عبد الرحمان زكي التأهيلية
  • التلميذ كائن بشري متكامل يتميز بقدرة فائقة على خط تصميم مدقق صادر عن قرارة نفسه عبره يقدم مقاربة متماسكة حول مسيرته الدراسية............الاستنتاج الرئيسي هو ان كل تلميذ في مستطاعه ان يقرر مصيره دون تعقيدات التوجيه
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
Catégories
Publicité